لقد كانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- حاملة لواء العلم في عصرها، ونبراسًا منيرًا لمريدي العلم وطلابه، وقد حسمت كثيرًا من الخلاف الفقهي، وكانت دقيقة في استنباط الحكم من العلة وجمع أطراف الحديث.
قال أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه: ما أُشكل علينا -أصحابَ محمد- حديث قط فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا. وقال مسروق: لقد رأيت أصحاب محمد الأكابر يسألونها عن الفرائض.
وتُعد عائشة من أبرع الناس في القرآن والحديث والفقه والشعر وأحاديث العرب وأخبارهم وأيامهم وأنسابهم. قال عروة بن الزبير: ما رأيت أحدًا أعلم بالقرآن ولا بفرائضه ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحديث العرب ولا بنسب من عائشة. وقال أيضًا: ما رأيت أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة. قال أبو عمر بن عبد البر: إن عائشة كانت وحدية بعصرها في ثلاثة علوم: علم الفقه وعلم الطب وعلم الشعر.
وقال أبو الزناد: ما رأيت أحدًا أروى لشعر من عروة، فقلت له: ما أرواك يا أبا عبد الله! قال: وما روايتي في رواية عائشة، ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرًا.
وكان عروة يقول لعائشة: يا أمتاه لا أعجب من فقهك، أقول: زوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابنة أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس، أقول: ابنة أبي بكر وكان أعلم أو من أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب، كيف هو؟ ومن أين هو؟ قال: فضربت عائشة على منكبه وقالت: أي عرية -تصغير عروة- إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسقم عند آخر عمره، وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجهة فتنعت له الأنعات، وكنت أعالجها فمن ثَمَّ.
قال الزهري: لو جُمِع علم عائشة بعلم جميع أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وجميع علم الناس لكان علم عائشة أكثر. وفي رواية: أفضل.