المبحث الثالث: دور أشهر الممالك التي كان لها أثر ملموس في خدمة السُّنَّة في هذا العصر
- دور مصر في العناية بالسُّنَّة وعلومها:
في هذه الفترة من الزمان -أي: بعد سقوط بغداد- كانت مصر محكومة لدولتي المماليك البحرية والبرجية، ويحدثنا التاريخ عما كان عليه هؤلاء السلاطين من حب للعلم وتقدير للعلماء، ومن أجل ذلك شيدوا الجامعات والمدارس الحديثية، واستقدموا لهذا الغرض العلماء من الأقطار البعيدة، وحبسوا الأموال الطائلة على تلك المؤسسات الدينية والعلمية، وها هي آثارهم الخالدة ماثلة للعِيَان، تحدث عما كان للقوم من عناية بعلوم الشريعة والسُّنَّة.
هذا ولم يقف الأمر عند حد المعاونة بالمال أو السلطان؛ بل لقد انغمر السلاطين في حلبة الدروس مع المتعلمين وتتلمذوا للعلماء، وأئمة الحديث، وتحملوا السنة بأسانيدها الصحيحة حتى صار بعضهم حافظًا يتلقى عنه الحديث، ويسمع منه الصحيح، فهذا هو "الظاهر برقوق" يتفقه على الإمام أكمل الدين "البابرتي"، ويشارك المحدثين في رواية الصحيحين، ويستقدم المسندين أمثال "ابن أبي المجد" من الأقطار النائية، رغبة منه في إعلاء الإسناد لدى المتعلمين بمصر، لسماعهم الحديث من أصحاب الأسانيد العالية، وهذا هو "المؤيد" يروي الصحيح عن السراج "البلقيني" حتى أن الحافظ ابن حجر يسمع الحديث من "المؤيد"، ويترجم له في عداد مشايخه في "المعجم المفهرس"، وقد استقدم "المؤيد" إلى مصر العلامة "شمس الدين الديري" المحدِّث العظيم صاحب كتاب "المسائل الشريفة في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة"، وهذا هو "الظاهر جقمق" يسمع الصحيح من ابن الجزري، ويستقدم كبار المسندين إلى مصر ليتلقى عنهم المتعلمون مروياتهم في