السُّنَّة من الصحاح والمسانيد، ويجعل من القلعة المصرية مجمعًا علميًّا للعلماء، وناديًا يؤمه طلاب الحديث يتلقون المرويات عن الحفاظ المتقنين والمحدثين النابهين، وبهذه العناية من السلاطين والأمراء كان مصر دار حديث وفقه وأدب طيلة هذه القرون الثلاثة الأولى من هذا الدور، وكانت أسعد بلاد الإسلام حظًّا بالحديث وعلومه، وها هي كتب التاريخ قد اكتظت بتراجم لرجال نبهاء، وفطاحل علماء، انجبتهم مصر في تلك القرون الذهبية، وكانت لهم مؤلفات كثيرة جدًّا في علوم شتى، بحيث يعدون بحق مفخرة الإسلام، وإن مآثرهم المحفوظة في خزانات العالم ومكتباته لمما يشهد لمصر بالمجد التالد والشرف الرفيع.
استمرت النهصة العلمية بمصر -على ما وصفنا- إلى أوائل القرن العاشر الهجري؛ إذ بانقراض دولة المماليك البرجية في أوائل هذا القرن، أخذ النشاط العلمي يتضائل ويضمحل، وطفق يرحل شيئًا فشيئًا إلى بلاد أخرى، ألا وهي البلاد الهندية التي أفسحت صدرها للحديث وعلومه، وسهرت على خدمته، فكانت أسعد بلاد المسلمين بعلوم السُّنَّة إلى يومنا هذا١.
ولا يمكن إغفال دور الأزهر الشريف في خدمة السُّنَّة حيث الكليات والأقسام المتخصصة التي تخرج فيها الكثيرون من مصر والعالم العربي والإسلامي، فضلًا عن الدراسات العليا التي منحت -ولا زالت تمنح- الكثيرين درجتي الماجستير والدكتوراه "العالمية" في الحديث الشريف وعلومه، ما بين الدراسات التحليلية والتحقيقات العلمية، ولم يقتصر هذا الدور على أبناء مصر وحدها، بل شمل العالم العربي والإسلامي عامة.