لقد التزم الشيخان ألا يخرجا في صحيحيهما سوى الأحاديث الصحيحة، حتى وإن اختلفا في المنهج، وترجح أحدها على الآخر في قوة الشروط: فمن حيث المنهج، فإن الإمام البخاري كان يجزئ الحديث أو يكرره الواحد في عدة كتب أبواب فقهية؛ لأن الحديث الواحد قد يشتمل على أكثر من معنى، وكل معنى يندرج تحت باب معين، فهو بحسن استنباطه وغزارة فقهه يستخرج منه الفوائد الحديثية ويستنبط الأحكام الفقهية المختلفة، ومن هنا يكون السر في التكرار أو التجزئة.
وأما الإمام مسلم، فالتزم منهجًا دقيقًا في ترتيب الأحاديث؛ حيث تلافى ما فعله الإمام البخاري في صحيحه، فلم يكرر الأحاديث ولم يجزئها في أبواب عدة.
ومن حيث الموازنة في هذه الجزئية، فإن منهج الإمام البخاري يجعل العثور على الحديث بكماله أشد صعوبة من البحث عليه عند مسلم.
ومن جهة أخرى، فإن الإمام البخاري اهتم بالتراجم في الأبواب؛ لأنها عكست فقهه ومذهبه، وتوضح رأيه في المسألة التي يتناولها كل باب.
ولكن مسلمًا لم يذكر تراجم لأبوابه، ويعلل ذلك الإمام النووي بأنه ربما أراد ألا يزيد حجم الكتاب. قال النووي:"ثم إن مسلمًا -رحمه الله- رتب كتابه على أبواب فهو مبوب في الحقيقة، ولكنه لم يذكر تراجم الأبواب فيه؛ لئلا يزداد بها حجم الكتاب أو لغير ذلك"١. فقد يكون الأمر كذلك، وقد يكون غيره، مثل أن يقال: إنه فعل ذلك لئلا ينشغل الناس عن الأحاديث أو معانيها بالتماس أوجه الصلة بين عناوين الأبواب والأحاديث التي ذكرت تحتها، كما حدث ذلك في كتاب البخاري.