ولقد أدرك السلف قدر السُّنَّة ومكانتها -فضلًا عن القرآن الكريم- فحفظوها في الصدور، ودونوها في السطور، ورَعَوْها حق رعايتها، فكانت مصدر قوتهم، وسر هيبتهم.
ومن الغريب والعجيب أننا في الوقت الذي نرى فيه عناية؛ بل ومفاخرة غير المسلمين بتراثهم الحضاري والثقافي والعلمي -نرى نابتة تزعم الانتساب إلى الإسلام تهاجم موروثها الديني، وتعمل جاهدة للنيل منه والحط من قدره؛ بل وتسعى للخلاص منه.
وهؤلاء وُلدوا في بلادنا، ويتكلمون بلغتنا؛ ولكنهم تغذوا فكر الكفرة والمشركين والملاحدة، فنمت أعوادهم مائلة إليهم، وجندوا أنفسهم الخبيثة وأقلامهم الملوثة للثرثرة في وسائل الإعلام والنشر المختلفة، ومن حين لآخر يختلقون المشاكل ليُسقطوا من بناء الإسلام لَبِنة، ومن مهابته في النفوس جزءًا، وقد اتخذت هذه الفئة الضالة مسالك شتى للوصول إلى أغراضهم، وللالتفات حول الإسلام جميعًا، فمنهم من جنَّد نفسه للنيل من قدسية القرآن الكريم، وسوء تأويله، ومنهم من جند نفسه للنيل من قدسية الحديث الشريف، أو التشكيك في الصحيح منه، وهؤلاء لا يخرجون عن ثلاثة أصناف: صنف جاهل غبي افتتن بحب الظهور، وصنف ملحد يدعو إلى الإلحاد لهوى في نفسه، وصنف مأجور لخدمة غير المسلمين الطامعين.
وقد قيض الله تعالى لهؤلاء وأمثالهم في كل عصر مَن يتصدى لهم، ويفضح أمرهم، ويحذِّر المسلمين منهم، وصدق الله العظيم إذ يقول:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩] .
ويوضح هذا البحث مدى عناية السلف والخلف -رجالًا ونساء- بالحديث النبوي الشريف، تدوينًا وتوثيقًا ورواية وغير ذلك، وأنهم بذلوا جهودًا كبيرة جدًّا من أجل خدمة السُّنَّة النبوية، والمحافظة عليها، والذود عنها في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد مماته.