بالاتباع، وأحرى بالبعد عن الابتداع، وقد صنف الناس في فضائله ومناقبه كتبًا كثيرة، تدل على أمانته ورجحانه على غيره؛ فلذلك ونحوه تعين الوقوف على بابه، والانتماء إليه، والاقتداء به، والاهتداء بنور صوابه، والاهتداء بهديه في وروده وإيابه، والاقتفاء لمطالبه وأسبابه، والاكتفاء بصحبة أصحابه، ولأن مذهبه من أصح المذاهب وأكمل، وأوضح المناهج وأجمل؛ لكثرة أخذه له من الكتاب والسنة، مع معرفته بهما وبأقوال الأئمة، وأحوال سلف الأمة، وتطلعه على علوم الإسلام، وتطلعه من الأدلة الشرعية والأحكام، ودينه التام وعلمه العام، والثناء عليه من أكابر العلماء وشهادتهم له بالإمامة والتقدم على أكثر القدماء، وإطنابهم في مدحه وشكره، وإسهابهم في نشر فضله وذكره، ولم يشكوا في صحة اعتقاده وانتقاده، وأن الصحة تحصل بإخباره، والنفرة بإنكاره، والعبرة باعتباره، والخبرة باختباره؛ بل يرجعون في دينهم إليه، ويعولون عليه، ويرضون بما ينسب إليه، ولو كذب عليه. فلله الحمد إذ وفقنا لاتباع مذهبه، والابتداء بتحصيله وطلبه، وللانتهاء إلى الرضاء به لصحة مطلبه.
وهذا وأمثاله قليل من كثير، ونقطة من بحر غزير، والغرض الحث على اتباعه ومعرفة أتباعه في العلوم واتساع باعه رضي الله عنه، وجعلنا من أتباعه، وحشرنا في زمرة أتباعه، وقد ذكرنا جملة من مناقبه وكلام العلماء في مدحه وإمامته في كتب أخرى، ولو لم يقل فيه الناس سوى ما نذكره الآن لكان فيه أبلغ غاية وأنهى نهاية، وفي بعضه كفاية:
قال الشافعي: أحمد إمام في ثمان خصال: إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في القرآن، إمام في اللغة، إمام في السُّنة، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في الفقر.
وقال: خرجت من بغداد وما خلفت بها أورع ولا أتقى ولا أفقه ولا أعلم من أحمد بن حنبل.
وقال لأحمد: أنتم أعلم منا بالحديث، فإذا كان الحديث كوفيًّا أو شاميًّا فأعلموني حتى أذهب إليه.
وقال: كل مافي كتبي: حدثني الثقة ... فهو أحمد بن حنبل.