للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرط الثاني:

يشترط الإمام البخاري اللقاء والمعاصرة وعدم التدليس؛ بحيث يكون الراوي قد ثبت به لقاء من حدث عنه ولو مرة واحدة، مع اشتراط أن يكون ثقة، فإذا ثبت ذلك عنه حملت عنده "عنعنته" على السماع، وبعبارة أخرى: إذا قال الراوي: عن فلان، فإن الإمام البخاري يتوقف في إخراج الحديث حتى يتأكد من لقاء الراوي بشيخه، وأن هذه اللفظة تساوي عنده: "سمعت فلانًا"، وهذا ينطبق على جميع العنعنات الموجودة في جامعه الصحيح.

قال ابن حجر: وقد أظهر البخاري هذا المذهب في تاريخه وجرى عليه في صحيحه، وأكثر منه، حتى أنه ربما خرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب جملة إلا ليبين سماع راوٍ من شيخه؛ لكونه قد أخرج له قبل ذلك شيئًا معنعنًا"١.

وللتأكد من السماع والاتصال ترك الإمام البخاري حديث بعض الأئمة مثل حماد بن سلمة -وهو إمام في علم الحديث- لما تكلم فيه بعض منتحلي المعرفة؛ بسبب أن بعض الكذبة أدخل في حديثه ما ليس منه، ولم يخرج له إلا في بعض مواضع الاستشهاد؛ ليبين أنه ثقة، وأخذ أحاديثه التي يرويها من أقرانه الذين لا تحوم حولهم شبهة، مثل: شعبة بن الحجاج، وحماد بن زيد، وأبي عوانة، وأبي الأحوص، وغيرهم، كما ترك سهيل بن أبي صالح لما تكلم بعض النقاد في سماعه من أبيه فقالوا: إنه أخذ أحاديث أبيه من صحفه ولم يسمعها منه٢، فلم يخرج له البخاري إلا مقرونًا أو تعليقًا٣.

وعلى أساس من هذه الشروط جاء صحيح البخاري مختصرًا، ولم يستوعب كل الصحيح؛ بل إنه ترك كثيرًا من الصحيح. يقول الإمام البخاري: "لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحًا، وما تركت من الصحيح أكثر"٤.


١ هدى الساري "ص٢٨٨".
٢ شروط الأئمة الستة "ص١٢، ١٣".
٣ تقريب التهذيب "ص٢٥٩" ترجمة رقم "٢٦٧٥".
٤ شروط الأئمة الخمسة "ص٦٤"، وهدى الساري "ص٥".

<<  <   >  >>