للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مشارق الأرض ومغارها، وهذه العناية تلت العناية بصحيح البخاري مباشرة، وكانت هذه العناية من وجوه عدة تكاتفت جميعًا لتؤكد أن صحيح الإمام مسلم انتقل إلينا عبر الأجيال موثقًا ومحفوظًا ومصانًا من أي عبث أو تحريف أو تغيير، وسيظل كذلك حتى قيام الساعة، ونوضح هذه الوجوه فيما يلي١:

أولًا: انتقل صحيح الإمام مسلم إلى العلماء بالسماع، أو القراءة، أو المناولة، أو الإجازة جيلًا بعد جيل، شأنه في ذلك شأن المؤلَّفات في العلوم الإسلامية، وإن العناية هنا في هذا المجال أكثر وأوفر.

يصف الإمام النووي "٦٣١-٦٧٦هـ/١٢٣٣-١٢٧٧م" كيف انتقل صحيح الإمام مسلم إليه خاصة، وإلى عصره عامة فيقول:

"صحيح مسلم -رحمه الله- في نهاية من الشهرة، وهو متواتر عنه من حيث الجملة، فالعلم القطعي حاصل بأنه تصنيف أبي الحسين مسلم بن الحجاج، وأما من حيث الرواية المتصلة بالإسناد المتصل بمسلم، فقد انحصرت طريقه عنده في هذه البلدان في رواية أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم، ويروي في بلاد المغرب -مع ذلك- عن أبي محمد أحمد بن علي القلانسي عن مسلم، ورواه عن ابن سفيان جماعة منهم الجلودي، وعن الجلودي جماعة منهم الفارسي، وعنه جماعة منهم الفراوي، وعنه خلائق منهم منصور، وعنه خلائق منهم شيخنا أبو إسحاق"٢.

قال الشيخ الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: وأما القلانسي فوقعت روايته عند أهل المغرب، ولا رواية له عند غيرهم، دخلت روايته إليهم من جهة أبي عبد الله محمد بن يحيى الحذَّاء التميمي القرطبي وغيره، سمعوها بمصر من أبي العلاء عبد الوهاب بن عيسى بن الرحمن بن ماهان البغدادي، قال:


١ انظر كتب السنة، الجزء الأول "ص٢١٢ - ٢٢١".
٢ شرح صحيح مسلم للنووي "١/ ١١٦".

<<  <   >  >>