للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال محمد بن مخلد: لما صنف أبو داود "السنن" وقرأه على الناس صار لأهل الحديث كالمصحف يتبعونه، وأقر له أهل زمانه بالحفظ فيه١.

وقال ابن الأعرابي -وأشار إلى النسخة وهي بين يديه: لو أن رجلًا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله، ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بتة٢.

وعلق الخطابي على كلمة ابن الأعرابي هذه فقال: "وهذا -كما قال- لا شك فيه؛ لأن الله تعالى أنزل كتابه تبيانًا لكل شيء، وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] فأخبر سبحانه أنه لم يغادر شيئًا من أمر الدين لم يتضمن بيانه الكتاب، إلا أن البيان على ضربين:

بيان جلي تناوله الذكر نصًّا، وبيان خفي اشتمل عليه معنى التلاوة ضمنًا، فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكلًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو معنى قوله سبحانه: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤] فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان، وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدمًا سبقه إليه، ولا متأخرًا لحقه فيه"٣.

وقال الخطابي أيضًا: "اعلموا -رحمكم الله- أن كتاب السنن لأبي داود كتاب طريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من الناس كافة، وصار حكمًا بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، فلكل فيه ذود وشرب، وعليه معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من مدن أهل الأرض. فأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتابي محمد بن إسماعيل،


١ "تهذيب الأسماء واللغات" "٢/ ٢٢٤".
٢ "معالم السنن" "١/ ١٢".
٣ "معالم السنن" "١/ ١٢، ١٣".

<<  <   >  >>