سأل سائل أبا عبد الرحمن ... بعض الأمراء عن كتابه السنن: أصحيح كله؟ فقال: لا، قال: فاكتب لنا الصحيح مجردًا، فصنع المجتبَى "بالباء" من السنن الكبرى، ترك كل حديث أورده في السنن مما تكلم في إسناده بالتعليل، وأبو إسحاق الحبال الذي ينقل عن الطبني هو الحافظ الإمام المتفنن، محدث مصر: إبراهيم بن سعيد بن عبد الله التجيبي، كان من المتشددين في السماع والإجازة، يكتب السماع على الأصول، ورعًا ثبتًا خيرًا، وكان يتعاطى التجارة في الكتب، وحصل عنده من الأصول والأجزاء ما لي عند غيره، وما لا يوصف كثرة، ولد إحدى وتسعين وثلاثمائة، وتوفي سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وقد أطال الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمته والثناء عليه، ومثله السيوطي في حسن المحاضرة.
وكذلك ابن الأثير الذي جرد الأصول الخمسة، وضم إليها الموطأ، جرد المجتبى، وليس السنن الكبرى، وساق إسناده بالمجتبى، وفيه النص الواضح على أن المجتبى من تأليف النسائي ذاته، يقول ابن الأثير: إنه قرأه سنة "٥٨٦هـ" على أبي القاسم يعيش بن صدقة الفراتي إمام مدينة السلام الذي قرأه على أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسن بن محمويه اليزيدي سنة "٥٥١هـ"، والذي قرأه على أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن الحسن الصوفي الدوني١ سنة "٥٠٠هـ" في شهر صفر، والذي قرأه على أبي نصر أحمد بن الحسين الكسار بخانكاه "دون" سنة "٤٣٣هـ"، والذي قرأه على ابن السني بالدينور سنة "٣٦٣هـ" والذي قال: "حدثنا الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي -رحمه الله تعالى- بكتاب السنن جميعه ... ".
وهذا نص واضح قبل الذهبي بما يزيد على قرن ونصف من الزمن، ونص أبي علي الغسائي أسبق من هذا كذلك، ولو كان المجتبَى من صنع ابن السني لاقتضى الأمر من ابن الأثير أن ينص عليه، وأن
١ نسبة إلى دون، قرية من أعمال دينور، قال في معجم البلدان "٢/ ٤٩٠": "وهو من آخر من حدث في الدنيا بكتاب أبي عبد الرحمن النسوي بحلق، وإليه كان الرحلة" أي: أنه أعلى أهل عصره إسنادًا فيه، وقد توفي سنة "٥٠١هـ" ووصفه في المعجم بأنه رواية كتب ابن السني.