للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان أبو عبد الرحمن النسائي كذلك، فقد كان يتشدد في الحكم على الرجال، وعلى الأحاديث عندما يكون هدفه وغايته تمييز الصحيح من غيره، ولم يكن يفعل ذلك إلى حد ما عندما يدون كتابًا في السنن، كبيرًا أو صغيرًا؛ ليعرف الناس الأحاديث التي استقى منها الفقهاء الأحكام، أو يمكن أن يستقي الناس منها ذلك.

على أنه يجب ألا تفهم عبارة: "من لم يجمع على تركه"، و"أن مذهبه متسع" على إطلاقها، فإنه أراد بذلك إجماعًا خاصًّا، وذلك أن كل طبقة من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط، فمن الأولى شعبة وسفيان الثوري، وشعبة أشد منه، ومن الثانية يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد من عبد الرحمن، ومن الثالثة يحيى بن معين وأحمد بن حنبل، ويحيى أشد من أحمد، ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري، قال النسائي: لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع على تركه، فأما إذا وثقه ابن مهدي وضعفه يحيى مثلًا فإنه لا يترك؛ لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد، قال الحافظ ابن حجر: وإذا تقرر ذلك ظهر أن الذي يتبادر إلى الذهن من أن مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك، فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي إخراج حديثه، بل تجنب النسائي إخراج حديث جماعة من رجال الصحيحين. ويقول النسائي نفسه: لما عزمت على جمع السنن استخرت الله في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء فوقعت الخيرة على تركهم، فتركت جملة من الحديث أعلم أنها عنهم١ ٢.

- منهج النسائي في المجتبَى:

اقتصر النسائي على أحاديث الأحكام إلا قليلًا، ورتبها ترتيبًا فقهيًّا، كما فعل أبو داود تقريبًا.


١ مقدمة زهر الربى على المجتبى، للسيوطي "١/ ١٠".
٢ كتب السنة، القسم الثاني "مخطوط بالآلة الكاتبة".

<<  <   >  >>