للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد صوَّر لنا ابن الجوزي استغراب معاصريه من أن يكون في "المسند" ما ليس بصحيح، فقال: كان قد سألني بعض أصحاب الحديث: هل في "مسند الإمام أحمد" ما ليس بصحيح؟ فقلت: نعم. فعظم ذلك جماعة ينتسبون إلى المذهب، فحملت أمرهم على أنهم عوام، وأهملت فكر ذلك، وإذا بهم قد كتبوا فتاوى، فكتب فيها جماعة من أهل خراسان منهم أبو العلاء الهمذاني، يعظمون هذا القول ويردونه، ويُقبحون قول من قاله، فبقيت دَهِشًا متعجبًا، وقلت في نفسي: واعجبًا، صار المنسبون إلى العلم عامة أيضًا! وما ذاك إلا أنهم سمعوا الحديث، ولم يبحثوا عن صحيحه وسقيمه، وظنوا أن من قال ما قلته قد تعرض للطعن فيما أخرجه أحمد، وليس كذلك، فإن الإمام أحمد روى المشهور والجيد والرديء، ثم هو قد رد كثيرًا مما روى ولم يقل به، ولم يجعله مذهبًا له، ومن نظر في كتاب "العلل" الذي صنفه أبو بكر الخلال رأى أحاديث كثيرة كلها في "المسند"، وقد طعن فيها أحمد١.

وقال الحافظ السخاوي في "شرح الألفية"٢: والحق أن في مسند أحمد أحاديث كثيرة ضعيفة، وبعضها أشد في الضعف من بعض حتى إن ابن الجوزي أدخل كثيرًا منها في موضوعاته؛ ولكن قد تعقبه في بعضها الحافظ العراقي في جزء له، وفي سائرها الحافظ ابن حجر، وحقق نفي الوضع عن جميع أحاديثه، وأنه أحسن انتقاء وتحريرًا من الكتب التي لم تلتزم الصحة في جمعها. اهـ.

القول الثالث: إن فيه الصحيح والضعيف الذي يقرب من الحسن، ومن ذهب إلى ذلك من الحفاظ: أبو عبد الله الذهبي، وابن حجر العسقلاني، وابن تيمية، والسيوطي، وإليك أقوالهم في ذلك: قال الحافظ السيوطي في خطبة الجامع الكبير ما لفظه: "وكل ما كان في مسند أحمد فهو مقبول؛ فإن الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن"، وقال الحافظ ابن حجر في كتابه "تعجيل المنفعة في رجال


١ صيد الخاطر "ص٢٤٥، ٢٤٦".
٢ شرح الألفية "١/ ٨٩".

<<  <   >  >>