للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا ينافي القول بأن فيه الضعيف، فإن الضعيف فيه دائر بين الحسن لذاته والحسن لغيره، وكلاهما مما يحتج به عند العلماء"١.

قلت: ولا يغض من قيمة المسند ما جاء فيه من أحاديث ضعيفة؛ فإنها صالحة للترقي إلى درجة الحسن لغيره بما لها من متابعات وشواهد. كما أن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يأخذ بالضعيف ويعمل به، ويقدمه على القياس، بشرط ألا يكون ضعفه شديدًا، وألا يكون في الباب غيره، فقد قال لابنه عبد الله: لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب ما يدفعه٢.

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية٣: إن تعدد الطرق مع عدم التشاعر والاتفاق في العادة يُوجب العلم بمضمون المنقول، وفي مثل هذا ينتفع برواية المجهول، والسيئ الحفظ، وبالحديث المرسل، ونحو ذلك؛ ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث، ويقولون: إنه يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح لغيره. قال الإمام أحمد: قد أكتب حديث الرجل لأعتبره.

وقال شيخ الإسلام أيضًا٤: وقد يروي الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما أحاديث تكون ضعيفة عندهم لاتهام رواتها بسوء الحفظ، ونحو ذلك؛ ليعتبر بها ويستشهد بها، فإنه قد يكون لذلك الحديث ما يشهد أنه محفوظ، وقد يكون له ما يشهد بأنه خطأ، وقد يكون صاحبها كذابًا في الباطن ليس مشهورًا بالكذب؛ بل يروي كثيرًا من الصدق، فيُروى حديثه، وليس كل ما رواه الفاسق يكون كذبًا؛ بل يجب التبيُّن في خبره كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} فيروى لتُنظر سائر الشواهد هل تدل على الصدق أو الكذب.


١ الحديث والمحدثون "ص٣٧٥" لمحمد محمد أبو زهو، طبع دار الكتاب العربي، بيروت، ١٤٠٤ هـ-١٩٨٤م.
٢ خصائص المسند "ص٢٧".
٣ مقدمة أصول التفسير "ص٣٠".
٤ منهاج السُّنَّة "٤/ ١٥".

<<  <   >  >>