ولما رأيت صعوبة حفظ الأسانيد في هذه الأعصار لطولها، وكان قصر أسانيد المتقدمين وسيلة لتسهيلها رأيت أن أجمع أحاديث عديدة في تراجم محصورة، وتكون تلك التراجم فيما عد من أصح الأسانيد، إما مطلقًا على قول من عممه، أو مقيدًا بصحابي تلك الترجمة".
ثم أخذ يبين طريقته في نقله عن الكتب وعزوه إليها، وهو كتاب عظيم في بابه، وقد شرح تقريب الأسانيد هذا مؤلفه نفسه، وقد بدأ الشرح بمقدمة في تراجم رجال إسناده، وضم إليهم من وقع له ذكر في أثناء الكتاب لعموم الفائدة حتى ترجم لولده أبي زرعة الذي ألف الكتاب من أجله، قال: "تقدم في خطبة هذا الشرح أني أترجم كل من ذكر فيه، فلم أرَ أن أخل بذكر من ألف له الكتاب، ولم أرَ إدخاله في رجال الكتاب لصغر سنه عن الشيوخ، فرأيت أن أذكره هنا، وأبين وقوع أحاديث الكتاب له عالية لاحتمال أن يطول عمره فيحدث به".
ثم أخذ في ذكر ترجمته، ولكنه لم يكمل هذا الشرح، بل شرح منه عدة مواضع، وقد أكمله ابنه أبو زرعة المذكور المتوفى سنة "٨٢٦هـ"، واسم هذا الشرح: "طرح التثريب في شرح التقريب" "مطبوع"، وهو كتاب حافل بالفوائد والأبحاث، جرى فيه مؤلفه على البحث العلمي الحر دون تعصب لمذهب من المذاهب وإن كان مذهبه، مما رفع من شأن هذا الكتاب، أضف إلى ذلك ما شحنه به من النكت الفقهية والفوائد الحديثية.
٣- كتاب "بلوغ المرام من أحاديث الأحكام" لخاتمة الحفاظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة "٨٥٢هـ"، اشتمل على ألف وأربعمائة حديث في الأحكام "مطبوع"، وقد شرحه خلق كثير منهم القاضي شرف الدين الحسين بن محمد المغربي، ومنهم محمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى سنة "١١٨٢هـ" في كتاب سماه "سبل السلام" "مطبوع"، ومنهم الفاضل صديق خان سنة "١٣٠٧هـ" في كتاب سماه "فتح العلام" "مطبوع".
هذه هي أهم أعمال العلماء فيما يتعلق بجمع الحديث وترتيبه في هذا الدور،