للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل على تعيين الحكم في المسألة الواقعة، لا في تشريع حكم في النازلة. فإن ذلك شرع لم يأذن به الله. ولقد أخبرني القاضي عبد الوهاب الأسدي الإسكندري بمكة المشرفة سنة تسع وتسعين وخمسمائة قال: رأيت رجلًا من الصالحين بعد موته في المنام، فسألته ما رأيت؟ فذكر أشياء؛ منها: قال: ولقد رأيت كتبًا موضوعة، وكتبًا مرفوعة، فسألت ما هذه الكتب المرفوعة؟ فقيل لي: هذه كتب الحديث. فقلت: وما هذه الكتاب الموضوعة؟ فقيل لي: هذه كتب الرأي، حتى يسأل عنها أصحابها. فرأيت الأمر فيه شدة.

اعلم -وفقنا الله وإياك- أن الشريعة، هي المحجة الواضحة البيضاء، محجة السعداء، وطريق السعادة، من مشي عليها نجا، ومن تركها هلك، قال١ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أنزل عليه قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} ٢ خط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأرض خطًّا، وخط خطوطًا على جانبي الخط، يمينًا وشمالًا، ثم وضع -صلى الله عليه وسلم- إصبعه على الخط، وقال تاليًا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} وأشار إلى تلك الخط المستقيم. ولقد أخبرني بمدينة "سلا" -مدينة بالمغرب على شاطئ البحر المحيط، يقال لها: منقطع التراب، ليس وراءها أرض- رجل من الصالحين الأكابر من عامة الناس، قال: رأيت في النوم محجة بيضاء مستوية، عليها نور سهلة، ورأيت عن يمين تلك المحجة وشمالها خنادق وشعابًا وأودية، كلها شوك، لا تسلك لضيقها، وتوعر مسالكها، وكثرة شوكها، والظلمة التي فيها، ورأيت جميع الناس يخطبون فيها خبط عشواء، ويتركون المحجة البيضاء السهلة، وعلى المحجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونفر قليل معه يسير وهو ينظر إلى من خلفه، وإذا في الجماعة متأخر عنها، لكنه عليها، الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن قرقور المحدث، كان سيدًا فاضلًا في الحديث، اجتمعت بابنه، فكان يفهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يقول له: ناد في الناس بالرجوع إلى الطريق، فكان ابن قرقور يرفع صوته ويقول


١ أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن.
٢ سورة الأنعام: ١٥٣.

<<  <   >  >>