وقال العمدة الشهير السيد محمد عابدين الدمشقي في شرح المنظومة المسماة بعقود رسم المفتي:"إن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى، من شدة احتياطه وورعه وعلمه بأن الاختلاف من آثار الرحمة قال لأصحابه إن توجه لكم دليل فقولوا به".
وقال بعد أسطر:"فقد صح عن أبي حنيفة أنه قال: "إذا صح الحديث فهو مذهبي". وقد حكى ذلك الإمام ابن عبد البر عن أبي حنيفة وغيره من الأئمة؛ ونقله أيضًا الإمام الشعراني عن الأئمة الأربعة؛ ونقل فيها عن البحر قال إنهم نقلوا عن أصحابنا أنه لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا حتى يعلم من أين قلنا حتى نقل في السراجية أن هذا سبب مخالفة عصام للإمام، وكان يفتي بخلاف قوله كثيرًا لأنه لم يعلم الدليل، وكان يظهر له دليل غيره فيفتي به.
وفيها أيضًا عن العلامة قاسم أنه قال في رسالته المسماة رفع الاشتباه عن مسألة المياه: "لما منع علماؤنا رضي الله تعالى عنهم من كان له أهلية النظر من محض تقليدهم على ما رواه الشيخ الإمام العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف، قال حدثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال ليس لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعرف من أين قلنا تتبعت مآخذهم وحصلت منها بحمد الله تعالى على الكثير ولم أقنع بتقليد ما في صحف كثير من المصنفين ... إلخ".
وقال في رسالة أخرى: "وإني ولله الحمد لأقول كما قال الطحاوي لابن حربويه لا يقلد إلا عصبي أو غبي". ا. هـ.
الثمرة الثالثة:
في "حصول المأمول من علم الأصول" ما نصه١: "اعلم أنه لا يضر الخبر الصحيح عمل أكثر الأمة بخلافه؛ لأن قول الأكثر ليس بحجة؛ وكذا عمل أهل المدينة بخلافه، خلافًا لمالك وأتباعه؛ لأنهم بعض الأمة ولجواز أنهم لم يبلغهم الخبر. ولا يضره عمل
١ صديق حسن خان: ص٥٩ القسطنطينية، مطبعة الجوائب ١٢٩٦هـ.