للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: "فهذا هو الحديث الشاذ، وأقل أحواله أن يتوقف فيه، ولا يجزم بصحته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه السلام" قيل: "ليس هذا هو الشاذ، وإنما الشذوذ أن يخالف١ الثقات فيما رووه، فيشذ عنهم بروايته، فأما إذا روى الثقة حديثًا منفردًا به لم يرو الثقات خلافه فإن ذلك لا يسمى شاذًّا. وإن اصطلح على تسميته شاذًّا بهذا المعنى لم يكن هذا الاصطلاح موجبًا لرده ولا مسوغًا له قال الشافعي رحمه الله: "وليس الشاذ أن ينفرد الثقة برواية الحديث بل الشاذ أن يروي خلاف ما رواه الثقات" قاله في مناظرته بعض من رد الحديث بتفرد الراوي فيه ثم إن هذا القول لا يمكن أحدًا من أهل العلم، ولا من الأئمة ولا من أتباعهم طرده ولو طردوه لبطل كثير من أقوالهم، وفتاويهم والعجب أن الرادين لهذا الحديث بمثل هذا الكلام قد بنوا كثيرًا من مذاهبهم على أحاديث ضعيفة انفرد بها رواتها لا تعرف عن سواهم وذلك أشهر وأكثر من أن يعد".

الثمرة التاسعة:

ما كل حديث صحيح تُحَدَّث به العامة -والدليل على ذلك ما رواه الشيخان عن معاذ -رضي الله عنه- قال كنت ردف النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار فقال: "يا معاذ! هل تدري ما حق الله على عباده، وما حق العباد على الله"؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا" قلت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفلا أبشر به الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا! " وفي رواية لهما عن أنس أن النبي -صلى الله علينه وسلم- قال لمعاذ وهو ردفه: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار" قال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفلا أخبر به الناس فيستبشروا. قال: "إذًا يتكلوا" فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا وروى البخاري تعليقًا عن علي -رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ " ومثله


١ في الأصل: الشذوذت تخالف.

<<  <   >  >>