ينتظم هذا الكتاب أشتاتا مؤتلفة من الدرس اللغوي. فيه -وإن لم تكن ذات موضوع واحد- تلتقي ويحتضن بعضها بعضا من البدء إلى النهاية. إنها من جهة تتناول قضايا أو مشكلات أثيرت وتثار في الأوساط اللغوية العربية قديمها وحديثها، وهي من جهة ثانية عولجت في هذا الكتاب علاجا يخضع لوحدة النظرة المنهجية التي تعتمد على الموضوعية في التحليل والمناقشة، وعلى الحوار مع الحقائق اللغوية ذاتها دون الالتجاء إلى أي مسلك خارجي من تأويل، أو افتراض، أو تفلسف ... إلخ. ومن هنا كان الائتلاف بين هذه الأشتات؛ لكونها خالصة العروبة، وخاضعة في النظر والدرس لمنهج واحد، هو منهج الوصف القائم على تسجيل الواقع في إطار سياقه وطبيعته، بالنظر الواعي والمعالجة اللغوية الصرفة.
بعض من مباحث الكتاب "وهي ثلاثة المباحث الأولى" له ذكر متناثر هنا وهناك في أعمال القدامى من اللغويين، ولكنه ذكر عارض في سياقات مختلفة، خال من لملمة جوانب الموضوع أو القضية وتجميعها لتشكل كلا متكاملا ينماز بحدوده، وخصوصياته، وموقعه. فرأينا أن نصنع صنعا آخر لتأليف هذه الجوانب والأبعاد، حتى نريح الذهن من الجري وراء هذه المتناثرات، ولإخضاعها لمنهج من الدرس اللغوي الحديث، حتى نرشد شباب الدارسين "وبعض شيوخهم" إلى كيفية تناول القديم في ضوء الحديث. ونكون بذلك قد ظفرنا بالحسنيين: رعاية القديم والحفاظ عليه وصقله أو تهذيبه، أو الحوار معه بفكر جديد، حتى يظهر في صورة أبهى وأجلى وأقرب منالا للشادين من الباحثين.