وإنما كان البدء به لكثرة وقوع الخطأ فيه، وتعدد أنواعه ومناحيه، حتى ليظن الدارس أن هؤلاء الطلاب غير عارفين بقواعده الأساسية، أو متجاهلون لها، أو غير مبالين بما يفعلون. وهذا السلوك المعيب واضح في كلامهم المكتوب والمنطوق، وإن كان في هذا الأخير أكثر وقوعا وشيوعا. وهم في ذلك لا يختلفون كثيرا عن أضرابهم من المثقفين وأشباههم. ودليل ذلك ما نلحظه من أخطاء صارخة في الإعراب، في وسائل الإعلام المنطوقة والمكتوبة، وفي بعض الأعمال الجادة كالمجلات الثقافية والعلمية والكتب الرسمية وغير الرسمية، بل إننا نلحظه في بعض الكتب الجامعية، وربما وقع فيه أساتذة اللغة العربية ومدرسوها وهم في حلقة الدرس النحوي نفسه.
وكان البدء بالإعراب كذلك لنؤكد ما ألمحنا إليه سابقا من أن الإعراب عنصر من عناصر نظام الجملة في العربية، وليس شيئا منعزلا عن هذا النظام، كما يتوهم كثير منهم بالقول أو بالفعل، مثلا في طرائقهم ومناهجهم في تقديم مادة النحو وتعليمه. إن الإعراب دليل الموقعية، أو قل: إنه من أهم دلائل التعليق، أي: ربط الكلم بعضه ببعض على طريقة مخصوصة، فهو يشير إلى وظيفة الصيغة ومدى ارتباطها بما يسبقها أو يلحقها، مهما يكن موقعها من الجملة. والعربية بهذه الخاصة -خاصة الإعراب- تمتاز من غيرها من اللغات، إذ هي تتصف بالمرونة في قواعد ترتيب الكلام ونظمه في الجملة من حيث التقديم والتأخير. ويكفي للتدليل على ذلك أن نشير مثلا إلى حال المفعول به. فهو سبق الفعل جوازا ووجوبا ويتوسط بين الفعل والعامل جوازا ووجوبا ويتأخر عن العامل جوازا ووجوبا كذلك، وهو في كل الحالات محدد الوظيفة معروف. بفضل وسائل التعليق أو الربط، ومن أهمها الإعراب الخاص به وهو النصب. تأمل معي الأمثلة الثلاثة الآتية وهي جميعا من باب واحد تقريبا، من حيث مكونات البناء الأساسية:
١- فعل + مفعول به "متصل بضمير الفاعل" + الفاعل، مثل:
خاف رَبَّه عمرُ
٢- فعل + مفعول به + فاعل "متصل بضمير المفعول"، مثل:
"وإذ" ابتلى إبراهيمَ ربُّه
٣- فعل + فاعل "متصل بضمير المفعول" + مفعول به، مثل: