للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المجموعة الثالثة]

تضم هذه المجموعة عددا من الأقوال التي تدل على فهم واع لطبيعة السكون وقيمته الصوتية، والتي تنبئ عن إدراك لحقيقته من ناحية النطق.

ترى هذه الأقوال في مجموعها أن السكون لا ينطق، وأنه ليس بحركة وإنما هو "عدم الحركة". ويمثل هذا الاتجاه نفر قليل من اللغويين المتأخرين الذين نقرأ في عباراتهم ما ينص صراحة على هذا المعنى الذي ذكرناه. من هؤلاء مثلا: الأشموني، وصاحب التصريح، وغيرهما ممن يقررون -في أكثر من مناسبة- أن "السكون عدم الحركة"١ بل إن هناك في كلام بعضهم ما يشعر بأنهم يدركون أعماق الموضوع، فلا يكتفون بالنص على أن السكون عدم الحركة، وإنما يعترضون كذلك على أولئك الذين يعاملون السكون معاملة الحركات من ناحية النطق والتلفظ. فلقد روينا سابقا عن الشيخ يس ما نقله عن الدونشري في قوله: "جعلهم السكون وهو عدم الحركة والحذف وهو إسقاط حرف أو حركة لفظيا تسمح"٢.

ويبدو أن السكون -من وجهة النظر الصوتية- لم يمثل مشكلة في نظر المتقدمين من اللغويين. فلم يرو عنهم -فيما نعلم- أي شيء يناقض قيمته الصوتية أو حقيقته من حيث النطق بالمفهوم الذي نرتضيه اليوم.

وهناك في آثارهم ما يؤكد أن هؤلاء المتقدمين كانوا يدركون هذه القيمة وتلك الحقيقة إدراكا صحيحا. فنرى أبا الأسود مثلا في تلك القصة المشهورة التي تعد -في نظرنا- أول محاولة في العربية لتحديد نوع من القيمة الصوتية للحركات، نراه يهمل السكون إهمالا تاما ولا يشير إليه ألبتة ويكتفي بوصف خاصة من أهم خواص الحركات، وهي تلك التي تتعلق بشكل


١ الأشموني جـ٤، ص١٥٦، والتصريح على التوضيح جـ١، ص٥٨. والحق أن صاحب التصريح كان مضطربا في الحكم على القيمة الصوتية، فهو مرة ينظر إليه كما لو كان شيئا ينطق ويتلفظ به، شأنه في ذلك شأن الحركات "انظر ص١٩٢" ومرة ثانية يعرف السكون بأنه "سلب" الحركة، وسلب الحركة -كما هو واضح- يعني أن الحركات كانت موجودة ثم أزيلت. وحقيقة الأمر أن الكلام جاء خاليا من الحركات منذ بداية الأمر. ثم يعود هذا الرجل نفسه مرة ثالثة فيسمي السكون "عدم الحركة"، كما في الحال التي معنا، وهو قول وجيه مقبول انظر: التصريح على التوضيح جـ١ ص٥٨، ص٦٠، جـ٢ ص٣٤٣.
٢ حاشية الشيخ يس على التصريح جـ١ ص٦٠.

<<  <   >  >>