وإنما جيء بالكسر لتحريك همزة الوصل "لأنه أصل في تحريك الساكن، لأنه أبعد حركات الإعراب عن الإعراب لامتناع دخوله في قبيلين من المعربات وهما المضارع وما لا ينصرف، ودخول أخويه في المعربات كلها. فلما احتيج إلى التحريك حركت بما هو أقل وجودًا في الإعراب وأكثر شبها بالسكون الذي وجد في بعض المعربات دون بعض، ولأن السكون والجزم عوض في الفعل من الكسرة في الاسم فعوض الكسر من السكون أيضا، ولأن وقوع اجتماع الساكنين كثير في الكلام بشهادة الاستقراء وللأفعال منه القِدْحُ المُعلَّى، وناهيك -نوعا- الأوامر من الأفعال المشددة الأواخر وما ينجزم منها بأنواع الجزم، وعندك أن للأكثر حكم الكل فتقدمت الأفعال في اعتبار اجتماع الساكنين والاحتياج إلى التحريك. ومعلوم أن لا مدخل للجر في الأفعال؛ فأفادت الكسرة الخلاص من اجتماع الساكنين، وذلك ظاهر، وكون الكسرة طارئة بكم المقدمة المعلومة، بخلاف اختيها فإنهما تفيدان الخلاص فقط والمفيد لفائدتين أولى بأن يكون أصلا، فالكسر أصل في تحريك الساكن"١.
وهكذا نرى أن هذا النص مشحون بالافتراضات الذهنية التي تتضمن قضايا منذرة بالخطر، ما كان ينبغي لها أن تلقى بهذه السهولة إلى القارئ دون التأني والتعمق في البحث عن حقيقتها، وكل افتراض من هذه الافتراضات قابل للنظر والمناقشة، بل للرفض كذلك.
فالادعاء بأن الكسر أقل وجودًا في الإعراب من أخويه "الضم والفتح" مبني على النظر في عدد الأبواب التي تدخلها هذه الحركة أو تلك. ونحن هنا لا ننظر إلى الأبواب التي هي من صنع اللغوي، وإنما ننظر إلى الواقع اللغوي المنطوق، أي: إلى الأمثلة الفعلية التي يمارسها المتكلم والتي تندرج تحت هذه الأبواب. وفي ظننا أن المعرب بالكسرة في هذه الأمثلة الفعلية لا يقل -إن لم