أضف إلى ذلك أن هناك عاملا آخر مهما يقف في طريق الأخذ باللهجات العامية أخذا مطلقا. لم تحظ العامية حتى الآن بتراث أدبي مقبول على المستوى العربي كله. وكل أو جل ما قدم بها من أدب أو سجل من معرفة إنما هو لون من ألوان الثقافة الفردية أو البيئية الضيقة التي لا تصلح مسوغا للانحياز إليها من الوجهتين الثقافية والقومية. ويفقد هذا الأدب وتلك المعرفة بذلك عامل الاستمرار والشمول والتصوير الحقيقي للفكر العربي والحضارة العربية بالمعنى الصحيح.
والانحياز إلى الفصحى والتمسك بفرضها في المراحل الأولى من التعليم اتجاه قد يقابل هو الآخر بمجموعة من الاعتراضات أو التساؤلات. قد يقال مثلا:
١- إن الفصحى في جملتها غريبة أو مجهولة الحدود بالنسبة لتلاميذ هذه المراحل المبكرة، ومن ثم كان فرضها عليهم مناقضا للمبدأ التربوي المقرر والمشار إليه سابقا وهو "وجوب الانتقال من المعلوم إلى المجهول".
٢- فرض المجهول على التلاميذ يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ المتوقع بل الحادث بالفعل أن يمل التلاميذ دروس اللغة ولا يقبلوا عليها. وهم إن أقبلوا طوعا أو كرها يقضون وقتا طويلا في فهمهما واستيعابها، الأمر الذي يعوق تقدمهم اللغوي المنشود، ومما يزيد في نفورهم وإعراضهم عنها حرمانهم من القدرة على استخدامها استخداما مثمرا في حياتهم العامة، حيث يقل هذا الاستخدام أو ينعدم، باستثناء دروس اللغة ذاتها.
٣- إن مصطلح "الفصحى" إذا أخذ على إطلاقه دون تحديد قد يغري بعض القائمين على شئون اللغة بتقديم مادة لغوية مغرقة في البعد في معناها ومبناها عن مدارك المتعلمين في هذه السن، بسبب انتساب هذه المادة إلى مراحل تاريخية قديمة ليست في إطار خبرة التلاميذ أو معارفهم، أو بسبب