للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين الحالتين. ولهذا السبب نفسه يرى المحققون من الدراسين أن التفريق بين حالتي الواو والياء إنما ينبغي أن يكون على أساس الوظيفة التي تقوم بها هذه الأصوات في التركيب الصوتي للغة، لا على أساس النطق الصرف.

ثالثا: لم تذكر الواو والياء في الألفباء الإملائية ذات الترتيب المألوف لنا الآن "أب ث ج ح خ ... إلخ" إلا مرة واحدة. وتشير دلائل الأمور في مجموع التراث اللغوي عن العرب إلى أن المراد بهما الواو والياء الصامتتان لا الحركتان. وهذا الافتراض يتمشى مع اتجاههم العام الذي ينحو نحو الاهتمام بالأصوات الصامة دون الحركات. ولنا أن نفترض كذلك أن هذا الوضع كان هو المقصود في الأصل في الأقل. ولم يكن هناك ما يمنع -بالطبع- من استغلال رمزي هذين الصوتين واستخدامهما في كتابة الواو والياء "الحركتين" كما حدث في الماضي وما هو حادث الآن بالفعل.

ويؤيدنا في هذا الفهم ما جاء عن باحث حديث، مشيرا إلى هذا الاتجاه من علماء العربية نحو الحركات عموما، أو ما سماها هذا الباحث أصوات اللين. يقول: "وأصوات اللين مع أنها عنصر رئيسي في اللغات ومع أنها أكثر شيوعا فيها، لم يعن به المتقدمون من علماء العربية، فقد كانت الإشارة إليها دائما سطحية، لا على أنها من بنية الكلمات بل كعرض يعرض لها، ولا يكون منها إلا شطرا فرعيا. وليست العربية وحدها هي التي أهمل في بحثها أصوات اللين. بل شاركتها في هذا أخواتها السامية. ولعل الذي دعا إلى هذا الانحراف أن الكتابة السامية منذ القديم عنيت فقط بالأصوات الساكنة "الصامتة" فرمزت لا برموز. ثم جاء عهد عليها أحس الكتاب بأهمية أصوات اللين الطويلة كالواو والياء الممدودتين فكتبوهما في بعض النقوش والنصوص القديمة"١.


١ دكتور إبراهيم أنيس: "بحث في اشتقاق حروف العلة"، مجلة كلية الآداب، جامعة الإسكندرية المجلد الثاني سنة ١٩٤٤، ص١٠٤، ١٠٥.

<<  <   >  >>