بالتدريج زمانا ومكانا وتخصصا، حتى تكتمل العدد والأدوات ونقف على أرض صلبة، ويصبح الأمل واقعا، والحلم حقيقة.
وهذه العدد والأدوات كثيرة منوعة يدركها أهل الاختصاص، ولكن لا يفوتنا في هذا المقام أن نشير إلى أمرين هما بمثابة حجر الأساس في هذا البناء القومي المأمول إقامته، حتى نلجأ إليه ونلوذ به، حماية لشخصيتنا ووقاية لها من التطفل والازدحام على موائد الآخرين.
أول هذين الأمرين يتمثل في محاولة تنشيط الفكر العربي، بتخليصه من التبعية بالتدريج، وذلك بإمداده بالوسائل والعناصر التي تحفزه إلى التدريب والتجريب في ميدان الابتداع، والاعتماد على الذات. ولا يعني ذلك بحال أننا ننادي بالانكفاء على أنفسنا والاكتفاء بما لدينا، إذ المعارف إنما تنمو وتتأصل بتبادل الخبرات والثقافات والاحتكاك المباشر وغير المباشر المبني على منهج الأخذ والعطاء معا.
والأمر الثاني الذي ينبغي أن نأخذه منذ البدء في عملية التعريب -تفكيرا وإنجازا- هو ضرورة التوجه إلى لغتنا القومية، فنوفيها حقها ونمكنها من أداء دورها في هذا الميدان. ويكون ذلك -في رأينا- بالعمل على محورين: محور التجريب بتوظيفها في العلوم بالتأليف المنشئ أو النقل بالترجمة، ومحور النظر في أدواتها التعبيرية وثروتها اللفظية، والأسلوبية، بهذف الوصول إلى مادة طيعة قادرة على تشكيل الأفكار العلمية وصبها في قوالب دقيقة تتسم بالسهولة النسبية وتمثل روح العصر وحاجاته المتطورة المتجددة.
وهذا بالقطع يجرنا إلى قضية جوهرية، وهي قضية اللغة العربية وتوظيفها في الحياة العامة والخاصة. إن إخضاعها للتجريب في ميدان العلوم