للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بهذين الصوتين. يبدو أن القاف التي وصفها علماء العربية صوت أشبه بالجاف المصرية التي تنطق في الصعيد وبعض جهات الوجه البحري في نحو قال "G" وهذا صوت مجهور ولا شك، ولعله كان خاصا بلهجة أو لهجات معينة. وكذلك يبدو أن الطاء في القديم كانت تختلف عن طائنا الحالية. وهنا نص صريح لسيبويه يفيد ما نقول. ففي هذا النص يذكر سيبويه أن الطاء أخت الدال في كل خواصها ما عدا الإطباق في الطاء وعدمه في الدال. ونحن نعرف أن الدال صوت مجهور، فنظيره إذن -وهو الطاء- مجهور كذلك١.

إذا صح هذا التفسير -وهو ما نأخذ به لأسباب أخرى ليس هنا محل تفصيلها- بالنسبة لهذين الصوتين "القاف والطاء" أصبح من الواضح أنهم يدركون معنى الجهر، وإن خانهم الحظ في إدراك الدور الذي يلعبه الوتران الصوتيان، أو إدراك ما يحدث في المنطقة كلها. ويبدو أنه كانت لديهم فكرة غامضة عما يحدث في الجهاز النطقي حال الجهر.

ويؤكد احتمال إدراك هؤلاء العلماء لمعنى الجهر اتفاقهم معنا في عدد الأصوات المجهورة بعد هذا التفسير الذي قدمناه لصوتي القاف والطاء، كما تؤكده حقيقة أخرى، وهي إدراكهم لوظيفة الجهر في الكلام.

ومعنى ما تقدم إذن أنهم كانوا على صواب في تعريف الجهر والصوت المجهور، ولكنهم أخطئوا في وصف الهمزة بالجهر. على أنا نستطيع -بطريقتهم- أن نفسر سبب هذا الخطأ الذي وقعوا فيه. هناك احتمالان لوصفهم الهمزة بالجهر.

الأول: لعلهم وصفوا الهمزة متبوعة بحركة، فأحسوا الجهر بسبب وجود الحركة، إذ الحركات العربية كلها "عادة" مجهورة.


١ الكتاب لسيبويه جـ٢ ص٤٠٦، وانظر أيضا الأصوات اللغوية للدكتور إبراهيم أنيس: ص٥٠، ٥٢، ٦٧-٦٩.

<<  <   >  >>