كل هذا الذي قررنا إنما يمثل معالم على الطريق إلى تأكيد القول بإمكانية النطق بالساكن في ابتداء الكلام وإلى الاعتقاد بوقوع ذلك النطق في اللغة العربية أو في لهجاتها، في الأقل في بعض فتراتها التاريخية. وليس من البعيد أن تكون هذه اللغة أو لهجاتها قد خضعت فيما بعد لشيء من التطور، ظهر أثره في حدوث صوت في أول الكلمات التي كانت تبدأ بالساكن قبل وجود هذا الصوت الذي سماه علماء العربية "همزة الوصل".
وهذا الافتراض يقودنا إلى التفسير لقاعدتهم المشهورة: لا يجوز الابتداء بالساكن. هذا التفسير -بحسب فهمنا لكلامهم- هو أن النطق بالساكن في ابتداء الكلام لم يقع من أفواه العرب، وإنما الذي وقع في نطقهم بهمزة وصل اجتلبت للتخلص من هذا الممنوع في سياقات معينة.
ورأينا في هذا التفسير الثاني يتلخص في هذه العبارة: على فرض التسليم بصحة القول بأن العرب لم ينطقوا بالساكن في ابتداء الكلام، إننا نشك في أن يكون المنطوق في هذه السياقات المعينة همزة. ولا يغير من ظننا هذا وصفها بأنها للوصل أو لغيره. ويعتمد اتجاهنا في هذه القضية على مجموعة من الأدلة العلمية المستقاة من خبرتنا الصوتية ونطقنا الفعلي للغة العربية والمستنتجة من تصريحات علماء العربية ومناقشاتهم لهذه الهمزة ومشكلاتها.
إن هذا الصوت الذي يظهر في أول الكلمة نحو:"اضرب" و"استخراج" ... إلخ والذي يرمز إليه بالألف في الكتابة ليس همزة فيما نعتقد. إنه -على فرض وقوعه- نوع من التحريك الذي يسهل عملية النطق بالساكن. وهذا التحريك قد يختلط أمره على بعض الناس فيظنوه همزة، إذ إن هواءه يبدأ من منطقة صدور الهمزة وهي الحنجرة. ويبدو أن اللغويين العرب قد وقعوا في هذا الوهم، ولكنهم لما أدركوا أن صفات هذا "الصوت" تختلف