البيئة الكلامية الواحدة حسب المهنة والحرفة، وحسب الأعمار، وحسب المستوى الاجتماعي ... إلخ، وإنه لمتغير حسب القرى والبلدان التي تضمنها البيئة الكلامية، بل حسب الأحياء في البلدة الواحدة، ولكن الباحث اللغوي يضطر إلى أن يتغاضى عن أمثال هذه التغيرات إذا أراد أن يدرس اللغة دراسة تاريخية، وذلك كما يتغاضى مؤرخ الأدب عن الخلافات والفروق في العصر الواحد في سبيل تحديد عصور أدبية تيسر له تأريخ الأدب.
ولكن ليس معنى هذا التغاضي أن الخلافات والفروق داخل العصر الواحد لا تسجل: إنها لتسجل وتقوم بطبيعة الحال، أو يسجل ويقوم أهمها، ولكنها توضع في موضعها الحق، ولا تعوق تقسيم تاريخ اللغة، أو تاريخ الأدب، إلى عصور محددة الأوائل والخواتيم.
وليس معنى "انتهاء" عصر لغوي "ابتداء" عصر لغوي تال، أن التغير اللغوي الكبير الذي نتخذه فاصلا بين عصرين يحدث فجأة. وأن الناس يغيرون من لغتهم تغيرا كبيرا في عام أو عامين، فالتغير، كما قلنا، دائم مستمر، ولكن اللغوي، يجد أن بعض مظاهر هذا التغير قد ازدادت وتجمعت في فترة من الفترات لعوامل معقدة سياسية وتاريخية إلخ. بحيث يدعوه المنهج العلمي إلى وضع حد تاريخي عند هذه الفترة. ولكن من المسلم أن "التداخل"، أو "الخصومة" متوافر. أو متوافرة، في معظم الحالات.
ب- الدراسة اللغوية التاريخية:
قلنا أن "الدراسة اللغوية التاريخية" لا تقوم إلا بعد الفراغ من دراسة المراحل المختلفة التي مر بها تاريخ اللغة دراسة وصفية، ومن النظر في هذه الدراسات الوصفية للمراحل التعاقبية يأتي تدوين تاريخ هذه اللغة صوتيا، وفونولوجيا، ونحويا، وقاموسيا، ودلاليا إلخ.
قال بلومفيلد اللغوي الأمريكي الكبير موضحا هذه الحقيقة: إن ظهور التيار التاريخي المقارن، والتيار الفلسفي الوصفي في الدراسة اللغوية في أواخر القرن التاسع عشر يدل على أن الدراسة التاريخية للغة تتوقف درجتها دقة وإتقانا على