للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- حول البحث في نشأة اللغة:

إن طبيعة موضوع علم اللغة، تلك الظاهرة الإنسانية التي هي اللغة، التي هي متطورة بطبعها، تفرض على الباحث أن يتساءل أول ما يتساءل:

كيف تكون للإنسان لغة؟ كيف توصل الإنسان إلى هذا النظام؟ أتوصل إليه بنفسه، أم أوحي به إليه إيحاء؟

ذلك موضوع قد شغل الناس من قديم. والأساطير القديمة عند أكثر الجماعات الإنسانية تنسب "وضع" اللغة إلى إله من آلهتها، أو إلى قوة عليا خارقة.

وفي العصور الوسطى اشتد الجدل بين نظريتين شغلتا المفكرين في نشأة اللغة: نظرية ترى أن "الله" عز وجل هو الذي أوحى للبشر باللغة، ونظرية تذهب إلى أن اللغة من اصطلاح الناس وتواضعهم. وقد فسر اصطلاح الناس على اللغة بأوجه كثيرة مختلفة.

والذي يذهب إليه العلم هو أن اللغة ظاهرة اجتماعية كسائر الظواهر الاجتماعية. ومعنى هذا أنها من صنع المجتمع الإنساني. ولا يعرف مجتمع إنساني منذ أقدم عصر سجله التاريخ بلا لغة ناضجة التكوين.

ولكن لا تزال مشكلة نشأة اللغة قائمة.

ما أقدم مجتمع ظهرت فيه اللغة؟ وأي لغة كانت أو اللغات؟ وهل اللغات المعروفة الآن ترجع إلى أصل واحد أو ترجع إلى أكثر من أصل؟ أي هل اللغة أحادية النشأة، أو ثنائيتها أو متعددتها؟ وما الظروف الاجتماعية وغير الاجتماعية التي أدت إلى نشأة اللغة؟

لقد أشرنا فيما سلف إلى أن "علم اللغة" يميل إلى أن ينحي البحث في "نشأة اللغة" من مجال دراسته، أو هذا هو رأي الغالبية من علمائه.

وذلك لأن "نشأة اللغة" موضوع شائك لا سبيل إلى القطع فيه برأي، أو إلى الوصول في شأنه إلى رأي علمي، إنه بطبيعته موضوع يستحيل على الدراسة

<<  <   >  >>