أ- منذ أواخر القرن التاسع عشر أخذ مفهوم "اللغة": طبيعتها، ووظيفتها، ودراستها في التغير. وقد أحدث ذلك التغير جهودا متلاحقة بذلها علماء الغرب لدراسة معظم لغات العالم وصفا وتاريخا ومقارنة، وللوصول من ذلك إلى نظرية أو نظريات عامة في "اللغة" تكشف عن حقيقتها نشأة وتطورا، وتبرز "القوانين" أو الأصول العامة التي تشترك فيها لغات البشر، وتعين على تحديد وتدقيق مناهج الدراسة اللغوية ووسائلها.
وكانت تلك الجهود في الميدان اللغوي تستهدي وتناظر وتساير النهضة العلمية والفكرية العامة التي شهدها الغرب في ذلك الزمان.
ب- لقد نتج عن تلك الجهود المترادفة القوية -والتي لا تزال متتابعة قوية- أن أصبحت دراسة اللغة "علما" من العلوم، له ما لأي علم مستقل موضوعه، ومناهجه، ووسائله.
١- وقد نُحِّي "علم اللغة" من مجاله، إلى حين، البحث في مسائل لغوية، أو في جوانب منها، ذلك لأنها مسائل لا سبيل إلى درسها الدرس العلمي الصحيح، إما لضآلة مادتها ضآلة ترد الكلام فيها ضربا من ضروب الفرض والحدس والتخمين أو ضربا من ضروب "الميتافيزيقا"، وإما لاستحالة درسها دراسة علمية لأسباب أخر. ومن هذه المسائل في رأي أغلب علماء اللغة المعاصرين، البحث في "نشأة اللغة".
٢- كما أن "علم اللغة" قد وسع في مجال الدراسة اللغوية، بأن أخضع للبحث مسائل جديدة، وبأن فصل البحث في مسائل لم يكن يفصل فيها القدماء، كما أنه قد استبقى كثيرا من مشكلات الدراسة اللغوية القديمة.
ولكن "علم اللغة" في بحثه جميع ما يبحث يصدر عن مبدأ عام، أو عن مبادئ عامة، ويقفو منهجا فردا، ويستهدي وسائل معينة، فدراساته مترابطة متكاملة يسودها روح العلم وأسلوبه.