للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٢- نعم إن بعض "القوانين" اللغوية يتصف بشيء من الصدق والعموم أكثر مما تتصف به "القوانين الصوتية" وذلك كأن يقال: "إن اللغة لا تنشأ إلا في مجتمع" و"إن اللغة لا تستعمل إلا في مجتمع" و"إن الكلام يختلف باختلاف الطبقات الاجتماعية في المجتمع الواحد في العصر الواحد" و"إن لكل لغة من اللغات نظمها الصوتية والنحوية" و"إن مصير كل لغة كبيرة أن تشعب إلى لهجات".

إن أكثر هذا وأمثاله أشبه بالتعريف بالخصائص والسمات، وبإبراز الأصول والمقومات منه "بالقوانين" كما يفهمها من يدرس الطبيعة والكيمياء مثلا. فإذا قيل إن المعادن تتمدد بالحرارة صدق هذا على كل معدن في كل زمان ومكان. وقانون "الجاذبية" لم يكن صادقا في زمن مكتشفه نيوتن، ولم يكن صادقا في بلده وحده بل إنه لصادق على ما سلف زمنه من أزمان، وعلى زمنه، وعلى ما يلحق زمانه ما استمر عالمنا على ما نعهده، فهذا هو المفهوم من "القانون" بمعناه الحق.

٣- إن توسع اللغويين وترخصهم في استعمال لفظ "قانون"، أو إن اختلاف "القوانين" اللغوية عن قوانين العلوم الطبيعية لا يحرم الدراسة اللغوية أن توصف بأنها دراسة "علمية". فدراسة اللغة لها موضعها الخاص المستقل الجدير بالبحث وهو "اللغة"، وهذه الدراسة تقوم على مناهج "علمية" سليمة وهي تتخذ من الوسائل ما ييسر لها الوفاء بعملها على أدق وجه، وما تصل إليه دراسة اللغة على هذا النحو من حقائق وأصول عامة أو "قوانين" إنما هو مستمد من طبيعة النبات وحقيقته مثلا، فلا عجب أن تكون "القوانين" التي تؤدي إليها دراسة النبات دراسة علمية مغايرة من وجوه "للقوانين" التي تؤدي إليها دراسة اللغة، وما ينبغي أن تحملنا هذه المغايرة على أن نذهب إلى أن الدراسة اللغوية ليست "علما".

إن ما بين دراسة اللغة وما بين العلوم الطبيعية وسواها من وجوه الاختلاف والافتراق لا يحول دون إضفاء صفة "العلم" على هذه الدراسة.

٤- ولقد يختلف المحدثون من أصحاب الدراسة اللغوية الجديدة في مسائل عدة، ولقد يختلفون في مسائل جوهرية كتعريف "اللغة" نفسها، أو تعريف

<<  <   >  >>