تتضمن هذا وذاك. عندما أسمع كلمة "الأهرام" فأنا أفهم منها ما يدل على الأبنية الشامخة التي بناها الفراعنة في "الجيزة" من زمن سحيق، وهي تثير في نفسي وفي نفوس غالبية المتكلمين بالمصرية ضربا من الزهو والفخار، هذا معان وظلال من المعان شبه مشتركة، ولكن قد انفرد أنا بتجارب، متعلقة بالأهرام: قد يثير سماعي لهذه الكلمة تلك المتعة الفائقة التي أحسستها عندما زرتها، وأنا طفل، لأول مرة مع والدي، وقد تثير في ذهن آخر ضربا من الأسى والألم لأنه في يوم من أيام زيارته لها عرض له حادث أليم، فما يسمع هذه الكلمة، أو يتذكرها، حتى تنبعث في نفسه تلك الذكرى الأليمة، وهكذا.
أمثال هذه الخلافات الفردية في التجربة فيما يتعلق بالكلمات تظهر أنواع الارتباطات المختلفة أو فروقا في المعاني المستدعاة. وبعض الارتباطات يظل شديد الخصوصية والفردية كما ذكرنا، ويكون غيره متطابقا عند أشخاص كثيرين، وهكذا يشيع ارتباطه بالكلمة.
٢- ولا شك أن ثمة فروقا في استعمال الكلمات مرجعها إلى نوع الكلام: فرجل العلم يسعى في أن يخلص كلامه من كل ارتباط نفسي، ولكنه بطبيعة الحال، لا يستطيع أن ينجح في هذا كل النجاح، وحتى الرياضي الذي لا يستعمل إلا الرموز الرياضية المجردة مثلا، فإن هذه الرموز يظل لها إيقاع صوتي، ويثير هذا الإيقاع إحساسات في نفس هذا، ويثير غيرها في نفس ذاك، وقد يثير ذلك الإيقاع إحساسات مختلفة باختلاف السامعين أو القارئين، وهكذا.
أما الشاعر مثلا فهو يعنى أول ما يعنى بما تثيره الكلمات من إيحاءات ومن ظلال المعاني، وهذا هو شغله الأول.