كان أملى حين بدأت هذه الدراسة أن تكون تأريخاً لحياة الشعر العربي في صقلية. ولكنى وجدت أن دراسة الشعر لا يمكن أن تتم دون تعميق في فهم تأريخ صقلية من نواحيه السياسية والاجتماعية والثقافية. ولذلك قدمت البحث في هذه الجوانب على البحث في الشعر، متعمداً الاستقصاء والاستكثار من الحقائق، بانياً الموضوع بالتدريج دون تحليل كثير أو مقارنات ومقايسات. إذا لا بد في البدء من تكوين صورة وافية لصقلية الإسلامية في ناحيتي التاريخ والأدب قبل القيام بالقياس والمقارنة والتحليل.
وكان مما أعانني في دراسة النواحي التاريخية حضور مادتها في مجموعتين هما مكتبة الصقلية التي جمعها ميشيل أمارى من المطبوع والمخطوط، وكتاب العيد المئوي لميلاد ميشيل أماري Centenario Della Nascita Di M.Amari وهو يتمم عمل ذلك المؤرخ الكبير بمختارات لم يكن قد عثر عليها. وقد كان أماري ذا أثر كبير في توضيح الناحية التاريخية بتحقيقاته واستنتاجاته وآرائه التي ضمنها كتابه الضخم (تاريخ مسلمي صقلية) Storia Dei Musulmani Di Di Sicilia فهو عمدة كل باحث في هذه الناحية، لما وهب مؤلفة من دقة وضبط ونزاهة، ولأنه بلغ الغاية في الإحاطة بأطراف الموضوع، حين اعتمد على المصادر العربية واللاتينية واليونانية والوثائق والنقوش وعلى ما كتبه جماعة تناولوا نواحي الموضوع قبله. والطبعة التي اعتمدتها من كتابه الثانية وقد اشرف عليها الأستاذ نللينو وزودوها بتعليقات هامة، ومن تعليقاته تلك أفدت الكثير.
أما الشعر فقد عالجه أمارى أيضاً في تاريخه، ولكن حديثه لا يعدو التعريف بالشاعر وترجمة شيء من شعره، ومعتمده في ذلك الخريدة للعماد الأصبهاني في كثير الأحيان. وقد قسم الشعر إلى موضوعات كالغزل والهجاء