للبحث في القرون الوسطى صلة قوية بالدين وإذا لم تنل هذه الصلة حقها من الكشف والجلاء في مظاهر الحياة جميعاً - والشعر أحدها - كان ذلك إغفالا لأكبر حقيقة تقوم من وراء كل مظهر في تلك العصور. ليس يفهم الشعر حينئذ إلا حين نفهم العلاقة القائمة بينه وبين روح التدين - الروح لا المظهر المدرسي القائم على الدراسات الفقهية.
وفي شخصية صقلية ما يمكن أن نسميه " الطبيعة الأرضية ". وبيان هذا أن صقلية في عصور الأسطورة لم تستطع أن ترفع رأسها إلى السماء فعبدت آلهة أرضية، أي عبدت آلهة تخافها وتحبها في الأرض لا في السماء، لأن هذه الآلهة هي التي كانت تمدها بالثمار والحبوب والخمر والفوارات والينابيع، وهي التي تخيفها بقوة " إتنا " وجبروته، وهذه النظرة التي انصرفت بصقلية عن السماء إلى الأرض جعلتها ترى القداسة في جوانب تلك الأرض، ومن هذه القداسة والأساطير حولها تغذي الأدب. فلما جاءت المسيحية لم تقض تماماً على الأصول الوثنية لأن في طبيعتها قدرة قبول كثير من المواضعات التي درج عليها الناس، ومع ذلك لم تستطع صقلية في ظل المسيحية أن ترفع رأسها إلى السماء فعبدت القديسين على مسافات قريبة من أرضها - عبدتهم على رءوس الجبال وأسبغت عليهم صفات الآلهة الأسطورية. ثم جاءها الإسلام يمزج بين غابتين: بين توجيه نظرها إلى السماء وبين سعي حثيث في جنبات الأرض، فاختارت في الغالب ما هو أقرب إلى طبيعتها، وغرقت في الحياة المادية، وزادها غرقاً فيها أن الإسلام التي نزع من نفسها الإيمان بقداسة الموجودات الأرضية، ومحا الأسطورة القديمة