للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١ - صقلية والصلات الثقافية

كانت صقلية تهتدي بالأنوار المنبعثة من القيروان، وكان لكل حادث أفريقي هام صدى فيها، وسر هذا ليس في ان صقلية قريبة في موقعها من شمال أفريقية فحسب ولكن لأن أهل أفريقية هم الذين افتتحوها، ومن ثم ظلت العلاقات قائمة بين المهاجرين وإخوانهم في الوطن الأصلي، وزاد هذه العلائق توثقاً تجدد الهجرة من أفريقية إلى صقلية ورحلة الصقليين إلى القيروان في طلب العلم، وهي ظاهرة نراها موجودة حتى بعد أن أصبح لصقلية في النواحي العلمية اسم مذكور.

وفي أيام الكلبيين تمتعت صقلية بشيء من الاستقلال الذاتي مصحوب ببعض السيطرة الفاطمية، وكان هذا الوضع السياسي ذا مظهرين: أما أولا فقد تبلورت في صقلية جهود علمية خاصة، وأصبح الجيل الناشئ من أبناء الفاتحين صقلي الروح والإنتاج، إلى حد ما، وأما ثانياً فقد أصبحت القاهرة تشارك القيروان في توجيه الحياة الثقافية في الجزيرة. وفي هذه الفترة أعلنت بلرم عن وجودها الثقافي والعقلي، وأصبحت تذكر مع القاهرة والقيروان وقرطبة، وأضحى لها علماء وأدباء يهاجرون إلى الأندلس ومصر وشمال إفريقيا. ونحسب أن كثيراً من هؤلاء المهاجرين كان يبحث عن الشهرة في بلد كالقاهرة أو قرطبة إلى جانب بحثه عن وسائل العيش. وإلى جانب هؤلاء جماعة ممن كانوا يسافرون في طلب العلم أو الأداء فريضة الحج ثم يعودون إلى ديارهم.

وعلى هذا لم تكن صقلية تعيش في عزلة تباعد بينها وبين غيرها من البلاد الإسلامية ولكن الحركة كانت بطيئة، وكانت أخطار البحر تحد من نشاطها. ومع ذلك فقد كانت الأسواق الصقلية مجالاً لتبادل السلع والأفكار والرحلة

<<  <   >  >>