وهناك معنى يديره ابن الخياط كثيراً في شعره، وهو يمدح الأمراء الكلبيين، وذلك هو نفاذ البصيرة وبعد النظر، حتى كأن الممدوح امرؤ يضرب بسهم في الغيب، ولديه المقدرة القادرة على تصور ما يجيء به المستقبل، من ذلك قوله في انتصار الدولة:
فطنٌ يحدّثُ بالغيوب تظنياً ... فكأنما لحظاته في الخاطر وقوله فيه وفي أبيه مستخلص الدولة:
فكأنما الحدثان خلف زجاجة ... تريانه خلل الغيوب شفيفا
وكأن أسرار الوجوه تصورت ... لكما بأسرار القلوب حروفا ويبدو لي أن هذا المعنى جاءه من ناحيتين: من تأثير الحالة السياسية المتقلبة التي كانت تنذر بالشر، ومن حالته النفسية التي كان يعييها التفكير في الغيب، وتحس بالعجز عن معرفة كنهه، كلما حاولت ذلك، فاقدر الناس أقدرهم بالنسبة إليه، والعظيم عظيم لأنه يستطيع ما يعجز هو منه، وهو يريد أن يشيح بوجهه عن الغيب لأنه يقلقه فيحيل الاطلاع عليه إلى غيره، والحالة النفسسية التي كان يجدها ومعنى العجز الذي كان يحسه إزاء الغيب ينقله لك بقوله:
وغدٌ وبعد غد بمضمونيهما ... عدةٌ تغيبُ والغيوبُ لها نبا
وحوادثُ الأيام أكثرُ عبرةً ... من أن يحيطَ بها القياس فتحسبا