للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١ - مجمل حياته

كان ابن حمديس سرقوسي الأصل، وربما لم يكن يزيد عمره، حين سقطت بلرم، عن سبعة عشر عاماً. وفي هذه السن الباكرة شهد صقلية تضيع من أيدي المسلمين بلداً آخر، وشهد ما هو ابعد اثراً من ذلك في نفسه، فقد حضر طرفاً من وقفة وطنه وعناده للنورمان مع ابن عباد، واشترك هو نفسه في الدفاع عن ذلك الوطن، فهو يحدثنا عن المعارك البحرية التي كان يخوضها أهل بلده فيقول في إغراقهم لسفن الأعداء (١) :

صَببنا عليها ضربنا من صَوَارم ... فغاضت بها من أسرها القلب أنفس

ونحن بنو الثغر الذين سيوفهمْ ... ذكورٌ بأبكار المنايا تعرسُ

فمن عزمنا هنديةُ الضرب تنتضى ... ومن زَندنا ناريةُ البأس تقبسُ وفي سرقوسة وهب شبابه للحب والحرب والتمتع والحرب والتمتع بالحياة ولذائذها، فكان يخرج مع صحبه إلى الحانات او الأديرة ليشرب الخمر ويسمع الغناء وينعم بمناظر الرقص، وترك هذا اللون من حياة الفروسية أثره العميق في نفسه وخاصة وأنه لم يرو غليله منه. وفي أثناء هذه الفترة من حياته ببلده توفي جده وهو يرسم حياة مناقضة نقيضاً مفارقاً لشبابه العارم، إذ توفي عن ثمانين عاماً قضاها في النسك، وكان هو الشخص الوحيد من أقربائه الذي استطاع أن يودعه قبل ان ينزل (٢) :

تنسك في برّ ثمانين حجة ... فيا طول عُمر فر فيه إلى الرب

ضممتُ إلى صدري بكفي صَدره ... وأسندت مخضر الجناب إلى الجنب


(١) الديوان: القصيدة رقم ١٦١.
(٢) الديوان: القصيدة رقم ٢٨.

<<  <   >  >>