بعد هذا المسلك المتشعب يعود البحث من حيث بدأ، ونلتقي بابن حوقل في رحلته مرة أخرى لنقف عند قوله:" فليس بالبلد عاقل ولا فاضل ولا عالم بالحقيقة بفن من فنون العلم (١) ". أما القول بعدم العقل والفضل فما اقف عنده لأنه بادي التحامل، وأما القول بعدم العلماء فقد كان له في زمان ابن حوقل ظواهر تؤيده، ولكنه لا يخلو أيضاً من تعميم يذهب بقسط كبير من صحته. وعذر صقلية أنها كانت لا تزال؟ بشهادة ابن الحوقل نفسه؟ معسكراً حربياً تسيطر عليه روح الجندية وما يتبعها من تقلب وعدم استقرار. ولم تكن الأجيال الصقلية من أبناء صقلية من أبناء صقلية نفسها قد تمكنت من تمثل الثقافات المتنوعة، وكانت الحروب المتولية سبباً في فناء أهل الجيل الأول، كما كان السر يشل كثيراً من القوى ويصرفها عن الإنتاج. وهذا رأي يقويه ان صقلية عند ما استراحت بعض الراحة من الحروب والفتن، أنتجت إنتاجاً متنوعاً في فترة قصيرة، ولم يكن ما قدمته قليلا. ومن ثم وجدنا ان الاشتغال المنتج بالفقه والحديث واللغة والطب والهندسة والنجوم قد تأخر إلى أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس ووجدنا النبات العلمي قد نما في صقلية وأثمر في الخارج.
وإذا حاولت أن تتعرف إلى أهم الشخصيات العلمية في صقلية حوالي الزمن الذي كان فيه ابن حوقل وبعده بقليل وجدتها لا تزال من غير صقلية. ففي الفترة بين (٣٦٥ - ٣٩٥هـ؟) تسمع عن ابن أبي خرسان في النحو والقراءات وعن علي بن حمزة في اللغة والشعر، وعن البرادعي في الفقه المالكي، وهؤلاء كلهم جاءوا صقلية منالخارج، ولا تسمع عن صقليين مشهورين إلى جانبهم