للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وربما كان هذا النقص في المصادر لا في صقلية نفسها. أما ظهور التصوف في وقت مبكر فانه لا يقوم دليلا على اتساع الثقافات في صقلية بقدر ما هو دليل على روح من التدين، وقعت تحت تأثيرات معينة، منها شدة وطأة الحياة الاجتماعية والاستعداد لتقبل الأساطير.

وكل هذه الأخبار التي لدينا عن الدراسات بصقلية؟ وخاصة دراسة الفقه والحديث؟ تشير إلى استمداد مبكر من المشرق استمر حتى أواخر العصر الإسلامي للجزيرة، أي أن هذه الصلة ظلت قوية حتى حين استقلت صقلية في حياتها العقلية ومذهبها الديني. ففي سنة ٢٩٣هـ؟ توفي أبو جعفر محمد بن الحسين المروزي فيها وكان فقيهاً مهماً بالكذب (١) وفي القرن الرابع كان أبو عبد الله محمد بن عيسى بن مطر ممن سافر إلى المشرق وكتب الحديث (٢) ، وجرت الحال على ذلك أيام عبد الحق، والسمنطاري. وهنا لابد أن نلمح خاصية في هؤلاء العلماء المهاجرين فهذا المروزي متهم بالكذب، والبرادعي ممن أنكره وطنه وتنكر له علماء، وصاعد اللغوي ممن نقل عنه الوضع وعرف عنه التزوير، فهل هذه الهجرة العلمية كهجرة الأجناس الإفريقية كانت على صقلية اكثر مما هي لها؟ وهل كان الشعراء المهاجرون أيضاً كالعلماء المهاجرين؟ مهما تكن الإجابة على هذين السؤالين فالذي لاشك فيه أن هؤلاء المهاجرين من العلماء وشعراء لم يكونوا كل شيْ في حياة صقلية العقلية والأدبية.


(١) ابن عذارى في المكتبة: ٣٦٤.
(٢) ابن حوقل ١/ ١٢٧.

<<  <   >  >>