في ذات يوم من أيام الربيع خرجت برسيفونة الجميلة ابنة ربة الخصب تخطر في المروج الصقلية الخضر، وتمتع طرفها بالنظر إلى الجداول المترقرقة ومن حولها صواحبها يطفن الأزهار، واقترب منها رب الجحيم والعالم الأدنى في خفة واختطفها وانحدر بها إلى عالمه.
أسطورة قديمة من تلك الأساطير الكثيرة التي أوحت بها إلى الطبيعة صقلية ولكن الحقائق الجغرافية من وراء رموزها لا تزال جديدة، فربة الخصب لم تتخذ مقامها في تلك الجزيرة عبثاً، والجحيم لا يزال قابعاً في ناحية من نواحي الجزيرة تحت بركان إتنا الجبار، ولا يزال مردة الحدادين يضربون بمطارقهم صفائح الحديد تحت ذلك البركان؟ الذي كان لغز القرون حتى الفتح الإسلامي؟ ليعدوا منها صواعق لرب الأولمب. وما تزال سكلا الوحشية تعوي عند المجاز المسيني عواء لا ينقطع وتتقاتل مع خاربديس قتالا كانت تجأر منه سفن القرون الوسطى بالشكوى.
نعم قد تكون بعض المظاهر الطبيعية والاقتصادية تغيرت في الجزيرة التي كان عرشاً لربة الخصب، ربما اختفت منها أنواع من المزروعات وقلت غابات البلوط التي يذكرها ثيوقريطس، واختفت مدن وقلاع كثيرة جنى عليها تتابع الهجرات وتغير الحكام؟ كل ذلك قد يخضع للتغير ولكن المظاهر الأساسية لا تزال هنالك؟ فالخصب لم يفتأ يتكشف عن القمح الذي كانت تعيش عليه روما، والكرمة والزيتون اللذين جلبهما اليونان، والليمون والبرتقال اللذين جلبهما العرب وأشجار اللوز والتين، وأنواع الأزهار. ولا تزال الأرض التي أوحت لثيوقريطس أغاني الرعاة مسرحاً للأغنام السائمة في السهول