والربى: ولولا أن الغابات فيها قليلة وبعض الجبال قد أصبح عارياً مجرداً من زينته الخضراء لتقدمت فيها حرفة الرعي وصناعات الألبان. وتزدان هذه الطبيعة بالجداول والعيون والفوارات والحمامات وكلها كانت في يوم ما موضوعات الأساطير.
أما إتنا الشامخ على كل ما حوله في الجزيرة فإنه يهدر منذراً بالويل، وقد تلفع بعمامته الثلجية، وتضرم جوفه بالنار، فإذا به ذلك السيد الرحيم القاسي في آن، الذي يستطيع أن يجمع معجزة القرون الوسطى في شخصه، لأنه يمزج (العنصرين) في كفه. وإذا ثارت حممه غطى الأرض بطبقة خصبة، وفزع الآمنين.
والحقائق الجغرافية هي التي رسمت للجزيرة حياتها الداخلية: مرتفعات وهضاب في الداخل لا تسمح للأرضي بالانبساط الواسع وتتباين تباينا واضحاً في ارتفاعاتها وأشكالها نحو السواحل، فترسم مواقع المواني. وعلى أعلى أجزائها بينت المدن الداخلية لتكون حصينة، وكان لذلك أثره في توجيه كل فتح، وبنيت المدن الساحلية عند خير المواقع صلاحية للملاحة، وهيأت السواحل حظوظاً متفاوتة لتلك المدن. فالشاطئ الغربي والجنوبي الغربي المقابل لأفريقية أقلها أهمية، وموانيه قليلة الصلاحية للملاحة، ونادراً ما تصل المرتفعات فيه إلى البحر إلا في نتوء واضح يبرز عند شنت ماركو. والساحل الشمالي يكاد يكون مستويا وفيه تقع ثرمة وجفلوذ وبلرم، ووراء هذه الأخيرة تنحسر الجبال مكونة سهلا من أخصب السهول. وفي الساحل الشرقي ذى الميزات الطبيعية والتاريخية تقع سرقوسة وطبرمين، وفيه سجل للتاريخ اليوناني والحضارة اليونانية. كما أن الساحل الشمالي شهد بدوره أروع الحضارات السامية.
وموقعها الجغرافي شارك شخصيتها الجغرافية في تدوين تاريخها وتلوينه. فموقعها في البحر جعلها ابنة لهذا البحر لا يحوزها إلا من قهره، ولذلك كانت القوى المتصارعة في ذلك الميدان المائي تلتقي فيها وجهاً لوجه حتى تقرر تلك السيادة، وتوسطها بين أوروبة وأفريقية جعلها محط النزاع بين أقوام