للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن المصادفات أن المعتمد سجن وسيم الذل سنة ٤٨٤ وتم للنورمان احتلال صقلية كلها في هذا العام، وفقد ابن حمديس صقلية والأندلس معاً، وعادت المقادير فطرحته إلى إفريقية. فوجد نفسه من جديد في بلاط تميم. واجتمعت كل المآسي في نفسه تذكره بالفردوس المفقود - ذكر صقلية وفتنتها وشبابه في وطنه وصحبته للعرب متبطلا يضيع عمره سدى. وافتخر بنفسه واستشعر اليأس من العودة إلى الوطن، ووصف بطولة قومه ورث موتاهم، ومدح تميما لأنه حاول ذات يوم أن ينقذ وطنه فاخفق. وتمثل الحال التي هو عليها فبكى جازعاً لما حل به، ومن يومئذ الفت الدموع مجاري عينيه. وفي قصيدة أو ملحمة من تلك الملاحم جمع ابن حمديس كل تلك الخواطر، فمثل فيها فنه الشعري كله، وكأنها البرزخ بين ما قبلها وما بعدها وسأقف عندها لأن فيها صورة ابن حمديس - ابن صقلية -.

[٣]

- تحليل قصيدتين صقليتين

لم تكن السابقة من حديثي عن ابن حمديس أكثر من عرض وترتيب زمني مقارب لنماذج من الشعر قالها منذ أول عهده بالقريض، حتى وقف عند ذلك البناء المتهاوي. يتحدث عند حديث الذي يحس صلته الطبيعة بالحياة انقطعت. لأنه دفن تحت الأنقاض كثيراً من الأحباب، وأصبح التشرد في حياته هو قانون تلك الحياة، وفقد الوطن أي عصر الشباب، أي الأمل، وغدا يحيا الحياة كما تجيء، لا كما يريدها، ويتعلل بأشياء من تفاهاتها فيمدح هذا وذاك، وحيناً يصفق للانتصار - وحيناً يعزى بالانكسار، ولكن نفسه كانت غائبة عن كل تلك المشاهد تحوم فيربوع سرقوسة والقصر القديم ونوطس.

فالقصائد التي قالها في صباه، أو التي في الأندلس وهو يرجو الأوبة، أو التي قالها بعد سقوط وطنه حتى تلك الوقفة عند تميم بن المعز هي التي تهمنا في

<<  <   >  >>