ويمتد شعوره بالبيئة إلى الحياة المدنية، وهنا لا نجد عنده التغني بجمال الرقيق فحسب، بل شعور السيد الأرستقراطي إزاء عبيده فهو لم يصور شقاء العبيد ولكن صور شقاءه بهم، ولم يحاول أن يستشف نفسية العبد، أو أن يعتذر عنه بما أجراه عليه الرق. وفي هذا يقول:
لي عبد سوء وعبد السوء منكدة ... والمسترق بعبد السوء مولاهُ
كأنني كلما أنهاه آمره ... وحين آمرُهُ بالشيء أنهاه
قالوا سعادةُ فأل من سعادته ... كأنهم جهلوُا اسماً ضد معناه
إن الغراب أبو البيضاء كنيتهُ ... فانظر بأي سواد خصه الله وهو كغيره من شعراء صقلية فتن بالغلمان النصارى وتغزل بهم في غير تبذل:
كأن على لباتهمْ وخدودهم ... وذائل ملساً من لجين وعسجد
ترى كبرياءُ الحسم في لحظاتهم ... تشابُ برهبانية المتعبد
إذا قبلووا صُلبانهم رشفت بهم ... حصَى برَد فيه مجاجةُ صرخد وعاقر الخمر ووجد طلبته منه الدساكر، وهو الوحيد الذي نجد عنده تصويراً لصاحب الحان وتحليلا لخلقيته.
وهو أول شاعر يصرح بنوع من الحياة اجتماعية لم نسمعه عند غيره بصقلية إذ يجعل مجالا للقاء المحبوب لا للعبادة والدرس وحدهمما:
يا حبذا المسجد الذي جمعت؟ ... نا فيه مقصورة إلى العصر
ما ان إلا بستان تلهية ... لولا مراعاةُ حُرمة الشهر