للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما قصة سعد رضي الله عنه - في نزول المهاجرين على إخوانهم الأنصار وقوله: "دلونى على السوق" - من أحدٍ ببعيد. ولم يزل المحدثون والفقهاء وغيرهم يباشرون هذه المهن والتجارات، فنجد منهم: البزاز، والبزار، واللحام، والحداد، والصيرفي، والقفال، والطيالسى، والعطار، والجمَّال، والصواف، والفَرَّاء، والقواريرى، والنقاش، والقنَّاد، والكمال، والنبال، والنحاس، والنخاس، والورَّاق، والوزَّان والسراج ... إلخ. ومن آثارهم في ذلك قولى أبي قلابة لأيوب السختياني - رحمهما الله -: "الزم السوق، فإن الغنى من العافية". وفي رواية: "فإن أعظم العافية الغنى عن الناس". وفي رواية: "كان أبو قلابة يحثنى على السوق والضيعة والطلب من فضل الله - عَزَّ وَجَلَّ - وكان محمد (يعنى ابن سيرين) يحثنى على التزويج".

وعن إسحاق بن يسار (والد محمد بن إسحاق رحمهما الله) أنَّه كان يمر بالبزازين، فيقول: "الزموا تجارتكم، فإن أباكم إبراهيم عليه السلام كان بزازًا". وقال أبو بكر المروزي: سمعت رجلًا يقول لأبي عبد الله (يعنى الإِمام أحمد رحمه الله): إني في كفاية، فقال: "الزم السوق تصل به الرحم وتعود به". وقال: وسمعت أبا عبد الله يقول: قد أمرتهم - يعنى ولده - أن يختلفوا إلى السوق، وأن يتعرضوا للتجارة. وقال: قد روى عن عائشة رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- أنَّه قال: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه" (٤١). وقال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله يأمر بالسوق، ويقول: "ما أحسن الاستغناء عن الناس". انظر "الحث على التجارة والصناعة والعمل" للحافظ أبي بكر الخلال الحنبلي رحمه الله (ص ٢٥: ص ٢٩). وقد تعمدت إيراد ما فيه الحث على لزوم السوق خاصة، من أجل هذا الحديث المنكر. والله أعلم.


(٤١) الحديث صحيح، انظر "صحيح الجامع" (١٥٦٦) و"الإِرواء" (١٦٢٦)، فالإمام أحمد لم يقصد تضعيفه بقوله: "روى"، كيف وهو يستدل به لكلامه؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>