وعلى الإيمان ثبتوا، وإلى الإيمان ركنوا، وبه تعلقوا؛ فتحملوا في سبيل الله ذلك الإيذاء كل الإيذاء، لقد أُخرجوا من ديارهم وأموالهم أخرجهم الطغاة من بلدهم الحبيب مكة المكرمة، فتركوا ديارهم وأموالهم، وخرجوا ليس لهم من حُطام الدنيا شيء، لا يريدون بهذا كله إلا وجه الله والدار الآخرة، وهم بعد أن خرجوا قبل أن خرجوا إنما أوقفوا حياتهم على نُصرة الله ورسوله، ولذلك قال:{وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} هكذا بالفعل المضارع الذي يدلّ على التجدّد والاستمرار، فهؤلاء وقفوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لينصرونه بكل ألوان النصر قبل الهجرة وبعد الهجرة، فكانوا صادقين فيما فعلوا وفيما كانوا عليهم من ثبات على الإيمان، ولذلك خصَّهم الله بهذه الصفة حين قال:{أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} هكذا بتعريف الطرفين، وقوله:{هُمُ} التي تفيد حصر الصدق فيهم، وكأنهم هم الصادقون وحدهم.
كما نجد في سورة "الحديد" بعض ملامح صفات الصادقين ذلكم حين قرأنا {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ}(الحديد: ١٨، ١٩) ففي هذا بيان قرآني يوضح لنا من هم الصادقون إنهم المؤمنون إيمانًا راسخًا ثابتًا بالله ورسله، والإيمان -كما نعلم- إذا استقر في القلب أثمر ثماره وآتى أكله:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(إبراهيم: ٢٥).
هذه إذًا صفات الصادقين، وهؤلاء هم الصادقون، فماذا لهؤلاء الصادقين من جزاء في الدنيا، وفي الآخرة،