بخلاف الطاعنين في السن الذين ألفوا ما هم عليه، ويصعب تغييرهم إلى الأحسن أو إلى طريق الرشاد، مما ينبه الدعاة إلى توجيه همتهم إلى الشباب، فهم الذين يستقبلون الدعوة بالاستجابة والإيمان بها، وعلى سواعدهم تبنى الأمم وتنهض الشعوب.
وقد وصف الله هؤلاء الفتية بأنهم آمنوا بربهم، وأن الله بفضله زادهم هدى، ولكم تشعرون معي بما في اختيار لفظ الربوبية، وإضافتها لضميرهم في قوله:"آمنوا بربهم"، من إحساس هؤلاء الفتية بربوبية الله لهم، والربوبية تعني كما تعلمون: العطاء بكل ألوانه، وفي مقدمة عطاء الله هدايته وتوفيقه، وقد كان لهم من ذلك النصيب الأوفر، وهذا ما يوحي به إسناد زيادة الهدى لله بأسلوب نون العظمة، وتنكير كلمة "هدى" التي يفيد التعظيم والتكثير، وأنه هدى لا يُقادَر قدره، إذ بلغ من العظمة منتهاها ومن الخيرات أعلاها.
وفي إطلاق الهدى ما يرشد إلى إحاطة هداية الله لهم بكل أمورهم وحياتهم، وأمر آخر في قصة هؤلاء هو أن الله قال:{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الكهف: ١٤) والربط على القلوب تصوير لتوثق عرى الإيمان في قلوبهم، وكأن الإيمان بالله حين أودعه الله في قلوبهم ربط عليه برباط محكم، فلا سبيل لحله وإخراج الإيمان من هذه القلوب، وكان هذا الربط على قلوبهم في موقف يحتاجون فيه إليه، إنهم حين نما خبرهم في المدينة استدعاهم الملك دقيانوس، وكان ملكًا جبارًا يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، فسألهم: من ربكم؟ قالوا:{رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}(الكهف: ١٥).