للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهما نصيبه من الآخر، وأنفقه في طاعة الله حتى عيّره الآخر، وجرت بينهما هذه المحاورة. قال: "فأغرقها الله في ليلة، وإياهما عني الله بهذه الآيات".

لا يعني هذا أن القرآن يحث على أن يتصدق المسلم بكل ماله، ويبقى فقيرًا يمد يده للناس، بل ويترك ورثته فقراء يستجدون الصدقة من الآخرين، ولا يفهم من ذلك أن الإسلام ينفر من الحصول على الأموال وتنميتها، ويريد من أتباعه الخروج من الدنيا لا مال لهم ولا زوجة ولا أبناء، فإن هذا معناه خراب الدنيا وهدم حضارتها، والقضاء على رونقها وبهجتها، وما جاء به كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ضد ذلك، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن أبي وقاص حين أراد -وهو على فراش مرضه- أن يتصدق بماله، فرفض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك وما زال به حتى وافقه على الثلث، ومع ذلك قال له: ((الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)).

ولو لم يكن للمؤمن مال كيف يطالَب بزكاة وصدقات، وكيف يجهز جند الله، ومن الذي يبني ويعمر، ومن الذي تكون له الأرض يخرج منها ما يقيت الناس وينفعهم، ومن الذي يبني المصانع والمتاجر والبيوت ويعمر الأرض؟! إنما يريد ربنا أن يعمرها من يعمرها باسمه ومن أجله، وأن يؤدي فيها حق الله، وألا يستطيل بما ملك على عباد الله، وألا يدعوه ماله إلى التخلق بالأخلاق الذميمة، كالكبر والبطر والبخل والشح، وما إلى ذلك من أخلاق فاسدة، فإن امتلك الدنيا فأدى فيها حق مولاه، فهو جدير بها، ونعم المال الصالح للرجل الصالح.

والقصة التي معنا تعبر عن هذه الحقيقة، وتبين ما أدى إليه المال في حياة واحد من الناس، مِن الكفر بالله والتعالي على خلق الله، وقياس الأمور بمقياس غير صحيح، وهذا مثل ضربه الله لكفار قريش، الذين أنِفوا أن يجلسوا مع فقراء المسلمين

<<  <   >  >>