وضعفائهم، واشترطوا للدخول في الإسلام أن يطرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مجلسه هؤلاء الضعفاء ليجلسوا معه وليستمعوا إلى قوله، وكأن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- مال إلى ذلك.
وربما رأى أن يذكر لهؤلاء الفقراء أن مصلحة الدعوة في ذلك، وأنه يطلب منهم أن يتنحوا عن المجلس ليخلوا للسادة من قريش، فإن دخلوا في الإسلام كانوا قوة له وسندًا لدعوته، وحينذاك سوف يعرفون ويؤمنون بمبادئ الإسلام، ومنها أنه دين المساواة، فيعود هؤلاء الضعاف ليجلسوا مع هؤلاء السادة الأغنياء في مجلس، يضمهم فيه أخوة الإيمان والإسلام، ولكن الله ثبت رسوله وقال له:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}(الكهف: ٢٨) الآية، وقال له:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}(الأنعام: ٥٢) الآية.
فكان حال هؤلاء الكفار من مشركي قريش شبيهًا بحال صاحب الجنتين، وحال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين شبيهًا بحال الرجل المؤمن، الذي اجتهد في نصيحة هذا الرجل الكافر، وكان هذا المؤمن معتزًّا بدينه، ويرى أن ما معه من الإيمان لا يعدله شيء من متاع الحياة الدنيا.
وهذه هي الكلمات تصور ما حاز الرجل الكافر من متاع، بعد أن يقول الله لرسوله:{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ}(الكهف: ٣٢) فتشوفت النفس لمعرفة ما كان من أمر الرجلين، فبدأ بأولهما فبين ما منحه الله من خيرات فقال:{جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}(الكهف: ٣٢ - ٣٤) فتأملوا معي في رسم كلمات القرآن لهاتين الجنتين: