هذا الفريق من أهل الكتاب من اليهود خاصة، الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظًّا عظيمًا مما ذُكّروا به، وما يزال هؤلاء يخونون أهل الإسلام ويدبِّرون لهم المؤامرات إلا من عصمه الله فدخل الإسلام كعبد الله بن سلام وأمثاله عليهم رضوان الله. وأن على الإسلام أن يواجهوا هذا الكيد بالعفو والصفح؛ لأنه لا قتال ولا شيء إنما هي الدسائس والمؤامرات، ومواجهة هذه المؤامرات إنما يكون بأن يعفو عنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون، وأن يصفحوا عن كيد هؤلاء الماكرين الحاقدين، وعليهم أن يلتزموا جانب الإحسان في دينهم، فإن جانب الإحسان تجويد وتعلية، وإعلاء بما جاء به هذا الدين في سلوك منضبط بشرع الله وهدي الله، وبهذا يستطيع أهل الإسلام أن يردُّوا كيد هؤلاء الكائدين الحاقدين الحاسدين.
الموضع الثالث: جاء في سورة "الحجر" في قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}(الحجر: ٨٥)، وكم في هذه الآية الكريمة من تهديد ووعيد لهؤلاء؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- بيَّن أنه الإله القوي القادر القاهر حين قال:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} وذكر سبحانه أن الموعد هو الساعة، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل وعلى المؤمنين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يصفحوا الصفح الجميل.
والصفح الجميل هو الذي لا عتاب فيه، فهذا من الرَّدّ العملي على كيد الكائدين، وحقد الحاقدين وحسد الحاسدين أنه لا يعاتبهم، ولا يتحدَّث إليهم، ولا يناقشهم، ولا يسألهم عن الأسباب التي دعتهم لكل هذا الكيد الرهيب العجيب الذي تآمر فيه أهل الكتاب مع كل أعداء الإسلام، يريدون إطفاء نور الله، ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون.