الموضع الرابع: في قول الله تعالى في سورة "النور": {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(النور: ٢٢)، وهذه الآية الكريمة جاءت في سياق الحديث عما كان من أمر الكريمة العظيمة السيدة الشريفة أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- حين رماها أهل الإفك بما نطقوا به، وقد فتن بهذه المسألة بعض المسلمين، ومنهم واحد من هؤلاء الذين كان أبو بكر يتعهَّدهم بالرعاية والعناية والإنفاق عليه، ذلكم هو مسطح بن أثاثة وهو ابن الخالة أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى- عن أبي بكر؛ إذ صار في ركاب هؤلاء الذين تحدَّثوا بما تحدَّثوا به من رمي السيدة عائشة بجريمة بشعة هي جريمة الزنا، فأقسم أبو بكر أن يقطع نفقته على مسطح هذا جزاء بما صنع، فجاء قول الله تعالى:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا}، ثم قال مرغبًا في العفو والصفح:{أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر:"والله إني لأحب أن يغفر الله لي؛ فأعاد نفقته على مسطح هذا"، فرضوان الله على أبي بكر الصديق.
أما الموضع الخامس: ففي سورة "الزخرف" في قوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ}(الزخرف: ٥)، وهذا في الواقع ليس من باب الصفح والعفو، وإنما يقول الله -سبحانه وتعالى- معاتبًا ومهددًا المشركين الذين أسرفوا في عداءهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لهم:{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} في عداءكم وإشراككم وإجرامكم. إننا لن نضرب عنكم الذكر صفحًا وإنما سنوالي إنزال هذا القرآن حتى تفيئوا إلى دين الله وإلى شرع الله وإلى هدي الله، فهذا القرآن نزل ليكون آخر الكُتب التي أنزلها الله لهذه الدنيا.