هذا يوسف في بيت وزير مصر مع امرأته في بيت واحد، وقد أعطي يوسف شطر الحسن، فإذا أضيف إلى حسن السمت وبهاء الطلعة ونضارة الوجه جمالُ الخلق وعفة اللسان وحسن الأدب؛ فإن ذلك مما دعا امرأة العزيز إلى حب يوسف والتعلق به، ولو أن هذا الحب كان مجرّد إعجاب وإكبار وتقدير من سيدة القصر لخادمها، لكان أمرًا لا بأس به، ولكنه انقلب إلى شهوة عارمة ورغبة طاغية في الحصول على متعة الجسد، فأخذت تراوده عن نفسه وتحاول أن يقع معها فيما أرادت من الفاحشة، وهو منصرفٌ عنها لا يلتفت إلى ذلك، ولم يكن هناك بُدّ من التصريح إذ لم ينفع التلميح.
واتخذت لذلك كل العدة، فغلّقت أبواب المكان عليها وعلى يوسف، وكانت قد تهيأت لذلك بكل ما للنساء من ألوان الزينة، ودعته إلى نفسها {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} أي: هلمّ تعال فقد تهيأت لك، فماذا كان من موقف يوسف في هذه اللحظات العصيبة التي قلّ أن يثبت لها رجل، إلا من كان معصومًا محفوظًا بحفظ الله، ومنهم يوسف؛ إذ قال لها:{مَعَاذَ اللَّهِ} أي: إني أعوذ بالله وألجأ إلى حماه من أن أفعل ما يغضبه، وذكر لها ما كان من إكرام زوجها له، وفي خيانته في بيته وأهله ظلم، والظالمون إلى الخسارة صائرون {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}(يوسف: ٢٣).
ولمّا لم تنجح وسائل الإغراء، ولمّا لم تفد الدعوة الصريحة، انتقلت إلى استعمال القوة فأخذت تجذبه إليها وهو يفر منها، ومن رحمة الله به أنه حين أخذت تهُمّ به لم تقدَّ قميصه، إنما حدث ذلك وهي تجري خلفه، حتى أمسكت به فقدَّت قميصه من جهة ظهره، والآيات تصور هذا المشهد بما لا يخدش الحياء أو يستثير الغرائز، إنما جاءت الكلمات تصف عفّة يوسف وحفظ الله له فتقول: